البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

الجب : الركية التي لم تطو ، فإذا طويت فهي بئر . قال الأعشى :

لئن كنت في جب ثمانين قامة *** ورقيت أسباب السماء بسلم

ويجمع على جبب وجباب وأجباب ، وسمى جباً لأنه قطع في الأرض ، من جببت أي قطعت .

الالتقاط : تناول الشيء من الطريق ، يقال : لقطه والتقطه . وقال : ومنهل لقطته التقاطاً . ومنه : اللقطة واللقيط .

والقائل : لا تقتلوا يوسف ، روبيل قاله قتادة وابن إسحاق ، أو شمعون قاله مجاهد ، أو يهوذا وكان أحلمهم وأحسنهم فيه رأياً وهو الذي قال : فلن أبرح الأرض قال لهم : القتل عظيم ، قاله السدي ، أوذان : أربعة أقوال ، وهذا عطف منهم على أخيهم .

لما أراد الله من إنفاذ قضائه وإبقاء على نفسه ، وسبب لنجاتهم من الوقوع في هذه الكبيرة وهو إتلاف النفس بالقتل .

قال الهروي : الغيابة في الجب شبه لحف ، أو طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه عن العيون .

وقال الكلبي : الغيابة كمون في قعر الجب ، لأن أسفله واسع ورأيه ضيق ، فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه .

وقال الزمخشري : غوره وهو ما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله انتهى .

منه قيل للقبر : غيابة ، قال المتنحل السعدي :

فإن أنا يوماً غيبتني غيابتي *** فسيروا بسيري في العشيرة والأهل

وقرأ الجمهور : غيابة على الإفراد ، ونافع : غيابات على الجمع ، جعل كل جزء مما يغيب فيه غيابة .

وقرأ ابن هرمز : غيابات بالتشديد والجمع ، والذي يظهر أنه سمى باسم الفاعل الذي للمبالغة ، فهو وصف في الأصل ، وألحقه أبو علي بالاسم الجائي على فعال نحو ما ذكر سيبويه من الغياد .

قال أبو الفتح : ووجدت من ذلك المبار المبرح والفخار الخزف .

وقال صاحب اللوامح : يجوز أن يكون على فعالات كحمامات ، ويجوز أن يكون على فيعالات كشيطانات في جمع شيطانة ، وكل للمبالغة .

وقرأ الحسن : في غيبة ، فاحتمل أن يكون في الأصل مصدراً كالغلبة ، واحتمل أن يكون جمع غائب كصانع وصنعة .

وفي حرف أبي في غيبة بسكون الياء ، وهي ظلمة الركية .

وقال قتادة في جماعة : الجب بئر بيت المقدس ، وقال وهب : بأرض الأردن ، وقال مقاتل : على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب ، وقيل : بين مدين ومصر .

وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبو رجاء : تلتقطه بتاء التأنيث ، أنث على المعنى كما قال :

إذا بعض السنين تعرفتنا *** كفى الأيتام فقد أبى اليتيم

والسيارة جمع سيار ، وهو الكثير السير في الأرض .

والظاهر أن الجب كان فيه ماء ، ولذلك قالوا : يلتقطه بعض السيارة .

وقيل : كان فيه ماء كثير يغرق يوسف ، فنشز حجر من أسفل الجب حتى ثبت يوسف عليه .

وقيل : لم يكن ماء فأخرجه الله فيه حتى قصده الناس .

وروي : أنهم رموه بحبل في الجب ، فتماسك بيديه حتى ربطوا يديه ونزعوا قميصه ورموه ، حينئذ وهموا بعد برضخه بالحجارة فمنعهم أخوهم المشير بطرحه من ذلك .

ومفعول فاعلين محذوف أي : فاعلين ما يحصل به غرضكم من التفريق بينه وبين أبيه .