البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

وكذلك يجتبيك ربك أي : مثل ذلك الاجتباء ، وهو ما أراه من تلك الرؤيا التي دلت على جليل قدره ، وشريف منصبه ، ومآله إلى النبوة والرسالة والملك .

ويجتبيك : يختارك ربك للنبوة والملك .

قال الحسن : للنبوة ، وقال مقاتل : للسجود لك ، وقال الزمخشري : لأمور عظام .

ويعلمك من تأويل الأحاديث كلام مستأنف ليس داخلاً في التشبيه ، كأنه قال : وهو يعلمك .

قال مجاهد والسدي : تأويل الأحاديث عبارة الرؤيا .

وقال الحسن : عواقب الأمور ، وقيل : عامة لذلك ولغيره من المغيبات ، وقال مقاتل : غرائب الرؤيا ، وقال ابن زيد : العلم والحكمة .

وقال الزمخشري : الأحاديث الرؤى ، لأن الرؤى إما حديث نفس أو ملك أو شيطان ، وتأويلها عبارتها وتفسيرها ، فكان يوسف عليه السلام أعبر الناس للرؤيا وأصحهم عبارة .

ويجوز أن يراد بتأويل الأحاديث معاني كتب الله وسير الأنبياء ، وما غمض واشتبه على الناس في أغراضها ومقاصدها ، يفسرها لهم ويشرحها ، ويدلهم على مودعات حكمها .

وسميت أحاديث لأنها تحدث بها عن الله ورسله فيقال : قال الله : وقال الرسول : كذا وكذا .

ألا ترى إلى قوله : { فبأي حديث بعده يؤمنون } { الله نزل أحسن الحديث } كتاباً وهي اسم جمع للحديث ، وليس بجمع أحدوثة انتهى .

وليس باسم جمع كما ذكر ، بل هو جمع تكسير لحديث على غير قياس ، كما قالوا : أباطل وأباطيل ، ولم يأت اسم جمع على هذا الوزن .

وإذا كانوا يقولون في عباديد ويناذير أنهما جمعا تكسير ولم يلفظ لهما بمفرد ، فكيف لا يكون أحاديث وأباطيل جمعي تكسير ؟ .

ويتم نعمته عليك ، وإتمامها بأنه تعالى وصل لهم نعمة الدنيا بأن جعلهم أنبياء وملوكاً ، بنعمة الآخرة بأن نقلهم إلى أعلى الدرجات في الجنة .

وقال مقاتل : بإعلاء كلمتك وتحقيق رؤياك ، وقال الحسن : هذا شيء أعلمه الله يعقوب من أنه سيعطي يوسف النبوّة .

وقيل : بأن يحوج إخوتك إليك ، فتقابل الذنب بالغفران ، والإساءة بالإحسان .

وقيل : بإنجائك من كل مكروه .

وآل يعقوب الظاهر أنه أولاده ونسلهم أي : نجعل النبوة فيهم .

وقال الزمخشري : هم نسلهم وغيرهم .

وقيل أهل دينه وأتباعهم ، كما جاء في الحديث : من آلك ؟ فقال : «كل تقي » وقيل : امرأته وأولاده الأحد عشر .

وقيل : المراد يعقوب نفسه خاصة .

وإتمام النعمة على إبراهيم بالخلة ، والإنجاء من النار ، وإهلاك عدوه نمروذ .

وعلى إسحاق بإخراج يعقوب والأسباط من صلبه .

وسمي الجد وأبا الجد أبوين ، لأنهما في عمود النسب كما قال : { وإله آبائك } ولهذا يقولون : ابن فلان ، وإن كان بينهما عدة في عمود النسب .

إن ربك عليم بمن يستحق الاجتباء ، حكيم يضع الأشياء مواضعها .

وهذان الوصفان مناسبان لهذا الوعد الذي وعده يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام في قوله : وكذلك يجتبيك ربك قيل : وعلم يعقوب عليه السلام ذلك من دعوة إسحاق عليه السلام حين تشبه له بعيصو .