{ ومن كان في هذه أعمى } وذلك من حيث المعنى مقابله لأن من { أوتي كتابه بيمينه } هم أهل السعادة { ومن كان في هذه أعمى } هم أهل الشقاوة { ولا يظلمون فتيلاً } أي لا ينقصون أدنى شيء وتقدم شرح الفتيل في سورة النساء .
والظاهر أن الإشارة بقوله : { في هذه } إلى الدنيا وقاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد أي : من كان في هذه الدار أعمى عن النظر في آيات الله وعبره والإيمان بأنبيائه ، فهو في الآخرة أعمى إما أن يكون على حذف مضاف أي في شأن الآخرة ، وإما أن يكون فهو يوم القيامة أعمى معنى أنه خبر إن لا يتوجه له صواب ولا يلوح له نجح .
وقال مجاهد : هو أعمى في الآخرة عن حججه .
وقال ابن عباس أيضاً : { ومن كان في هذه } النعم يشير إلى نعم التكريم والتفضيل فهو في الآخرة التي لم تر ولم تعاين { أعمى } .
وقيل : ومن كان في الدنيا ضالاً كافراً فهو في الآخرة أعمى { وأضل سبيلاً } لأنه في الدنيا تقبل توبته ، وفي الآخرة لا تقبل وفي الدنيا يهتدي إلى التخلص من الآفات ، وفي الآخرة لا يهتدي إلى ذلك البتة .
وقيل : فهو في الآخرة أعمى عن طريق الجنة .
وقيل : أعمى البصر كما قال { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً } وقوله : { ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً } وقيل : من كان في الدنيا أعمى عن إبصار الحق والاعتبار فهو في الآخرة أعمى عن الاعتذار .
وقال ابن عطية : والظاهر عندي أن الإشارة بهذه إلى الدنيا { أي من كان } في دنياه { هذه } وقت إدراكه وفهمه { أعمى } عن النظر في آيات الله فهو في يوم القيامة أشدّ حيرة وعمى لأنه قد باشر الخيبة ورأى مخائل العذاب ، وبهذا التأويل تكون معادلة التي قبلها من ذكر من يؤتى كتابه بيمينه .
وإذا جعلنا قوله { في الآخرة } بمعنى في شأن الآخرة لم تطرد المعادلة بين الآيتين .
وقال الزمخشري : والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة ، أما في الدنيا فلفقد النظر ، وأما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه وقد جوّزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل .
ومن ثم قرأ أبو عمر الأول مما لا والثاني مفخماً لأن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلام كقوله { أعمالكم } وأما الأول فلم يتعلق به شيء فكانت ألفه واقعة في الطرف معرضة للإمالة انتهى .
وتعليله ترك إمالة أعمى الثاني أخذه الزمخشري من أبي عليّ قال أبو عليّ : لأن الإمالة إنما تحسن في الأواخر ، و { أعمى } ليس كذلك لأن تقديره { أعمى } من كذا فليس يتم إلا في قولنا من كذا فهو إذن ليس بآخر ، ويقوي هذا التأويل عطف { وأضل سبيلاً } لأن الإنسان في الدنيا يمكن أن يؤمن فينجو وهو في الآخرة لا يمكنه ذلك فهو { أضل سبيلاً } وأشدّ حيرة وأقرب إلى العذاب ، و { أعمى } هنا من عمى القلب لا من عمى البصر لأن ذلك يقع فيه التفاضل لا هذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.