ولما ذكر تعالى أنواعاً من كرامات الإنسان في الدنيا ذكر شيئاً من أحوال الآخرة فقال : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } واختلفوا في العامل في { يوم } .
فقيل : العامل فيه ما دل عليه قوله متى هو .
وقيل : هو بدل من يوم يدعوكم وهذه أقوال في غاية الضعف ، ولولا أنهم ذكروها لضربت عن ذكرها صفحاً وهو في هذه الأقوال ظرف .
وقال الحوفي وابن عطية انتصب على الظرف والعامل فيه اذكر وعلى تقدير اذكر لا يكون ظرفاً بل هو مفعول .
وقال ابن عطية أيضاً بعد قوله هو ظرف : والعامل فيه أذكر أو فعل يدل عليه قوله { ولا يظلمون } ، وحكاه أبو البقاء وقدره { ولا يظلمون } يوم ندعو .
وقال ابن عطية أيضاً : ويصح أن يعمل فيه { وفضلناهم } وذلك أن فضل البشر يوم القيامة على سائر الحيوان بيِّن لأنهم المنعمون المكلفون المحاسبون الذين لهم القدر إلاّ أن هذا يرده أن الكفار يومئذ أخسر من كل حيوان ، إذ يقول الكافر : يا ليتني كنت تراباً .
وقال ابن عطية أيضاً : ويصح أن يكون { يوم } منصوباً على البناء لما أضيف إلى غير متمكن ، ويكون موضعه رفعاً بالابتداء ، والخبر في التقسيم الذي أتى بعد في قوله { فمن أوتي كتابه } إلى قوله { ومن كان } انتهى .
وقوله منصوباً على البناء كان ينبغي أن يقول مبنياً على الفتح ، وقوله : لما أضيف إلى غير متمكن ليس بجيد لأن الذي ينقسم إلى متمكن وغير متمكن هو الاسم لا الفعل ، وهذا أضيف إلى فعل مضارع ومذهب البصريين أنه إذا أضيف إلى فعل مضارع معرب لا يجوز بناؤه ، وهذا الوجه الذي ذكره هو على رأي الكوفيين .
وأما قوله : والخبر في التقسيم فالتقسيم عار من رابط لهذه الجملة التقسيمية بالمبتدأ لا أن قدر محذوفاً ، فقد يمكن أي ممن { أوتي كتابه } فيه { بيمينه } وهو بعد ذلك التخريج تخريج متكلف .
وقال بعض النحاة : العامل فيه { وفضلناهم } على تقدير { وفضلناهم } بالثواب ، وهذا القول قريب من قول ابن عطية الذي ذكرناه عنه قبل .
وقال الزجاج : هو ظرف لقوله ثم لا تجد .
وقال الفراء : هو معمول لقوله نعيدكم مضمرة أي نعيدكم { يوم ندعو } والأقرب من هذه الأقوال أن يكون منصوباً على المفعول به باذكر مضمرة .
وقرأ الجمهور : { ندعو } بنون العظمة ، ومجاهد يدعو بياء الغيبة أي يدعو الله ، والحسن فيما ذكر أبو عمرو الداني يُدعى مبنياً للمفعول { كل } مرفوع به ، وفيما ذكر غيره يدعو بالواو وخرج على إبدال الألف واواً على لغة من يقول : أفعو في الوقف على أفعى ، وإجراء الوصل مجرى الوقف وكل مرفوع به ، وعلى أن تكون الواو ضميراً مفعولاً لم يسم فاعله ، وأصله يدعون فحذفت النون كما حذفت في قوله :
أبيت أسري وتبيتي تدلكي . . . ***وجهك بالعنبر والمسك الزكي
أي تبيتين تدلكين وكل بدل من واو الضمير .
{ وأناس } اسم جمع لا واحد له من لفظه ، والباء في { بإمامهم } الظاهر أنها تتعلق بندعو ، أي باسم إمامهم .
وقيل : هي باء الحال أي مصحوبين { بإمامهم } .
والإمام هنا قال ابن عباس والحسن وأبو العالية والربيع كتابهم الذي فيه أعمالهم .
وقال الضحاك وابن زيد : كتابهم الذي نزل عليهم .
قال ابن عطية : والإمام يعم هذا كله لأنه مما يؤتم به .
وقال الزمخشري : إمامهم من ائتموا به من نبيّ أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين ، فيقال : يا أهل دين كذا وكتاب كذا .
وقيل : بكتاب أعمالهم يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر .
وفي قراءة الحسن بكتابهم ومن بدع التفسير أن الإمام جمع أُم وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم ، وأن الحكمة في الدعاء بالأمهات دون الآباء رعاية حق عيسى وشرف الحسن والحسين .
وأن لا يفتضح أولاد الزنا وليت شعري أيهما أبدع أصحة لفظه أم بهاء حكمته انتهى .
وإيتاء الكتاب دليل على ما تقرر في الشريعة من الصحف التي يؤتاها المؤمن والكافر ، وإيتاؤه باليمين دليل على نجاة الطائع وخلاص الفاسق من النار إن دخلها وبشارته أنه لا يخلد فيها { فأولئك } جاء جمعاً على معنى من إذ قد حمل على اللفظ أولاً فأفرد في قوله { أوتي كتابه بيمينه } وقراءتهم كتبهم هو على سبيل التلذذ بالاطّلاع على ما تضمنتها من البشارة ، وإلاَّ فقد علموا من حيث إيتاؤهم إياها باليمين أنهم من أهل السعادة ومن فرحهم بذلك يقول الباري لأهل المحشر : { هاؤم اقرؤوا كتابيه } ولم يأت هنا قسيم من { أوتي كتابه بيمينه } وهو من يؤتي كتابه بشماله ، وإن كان قد أتى في غير هذه الآية بل جاء قسيمه قوله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.