البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَوۡمَ نُسَيِّرُ ٱلۡجِبَالَ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَةٗ وَحَشَرۡنَٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدٗا} (47)

ولما ذكر تعالى ما يؤول إليه حال الدنيا من النفاد أعقب ذلك بأوائل أحوال يوم القيامة فقال { ويوم تسير الجبال } كقوله { يوم تمور السماء موراً وتسير الجبال سيراً } وقال : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب } وقال { فقل ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً } وقال { وإذا الجبال سيرت } والمعنى أنه ينفك نظام هذا العالم الدنيوي ويؤتى بالعالم الأخروي ، وانتصب { ويوم } على إضمار اذكر أو بالفعل المضمر عند قوله { لقد جئتمونا } أي قلنا يوم كذا لقد .

وقرأ نافع وحمزة والكسائي والأعرج وشيبة وعاصم وابن مصرّف وأبو عبد الرحمن { نسير } بنون العظمة الجبال بالنصب ، وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو والحسن وشبل وقتادة وعيسى والزهري وحميد وطلحة واليزيدي والزبيري عن رجاله عن يعقوب بضم التاء وفتح الياء المشددة مبنياً للمفعول { الجبال } بالرفع وعن الحسن كذلك إلاّ أنه بضم الياء باثنتين من تحتها ، وابن محيصن ومحبوب عن أبي عمر وتسير من سارت الجبال .

وقرأ أبيّ سيرت الجبال { وترى الأرض بارزة } أي منكشفة ظاهرة لذهاب الجبال والظراب والشجر والعمارة ، أو ترى أهل الأرض بارزين من بطنها .

وقرأ عيسى { وتُرى الأرض } مبنياً للمفعول { وحشرناهم } أي أقمناهم من قبورهم وجمعناهم لعرصة القيامة .

وقال الزمخشري : فإن قلت : لم جيء بحشرناهم ماضياً بعد تسير وترى ؟ قلت : للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال والعظائم ، كأنه قيل : { وحشرناهم } قبل ذلك انتهى .

والأولى أن تكون الواو واو الحال لا واو العطف ، والمعنى وقد { حشرناهم } أي يوقع التسيير في حالة حشرهم .

وقيل : { وحشرناهم } { وعرضوا } { ووضع الكتاب } مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل لتحقق وقوعه .

وقرأ الجمهور : نغادر بنون العظمة وقتادة تغادر على الإسناد إلى القدرة أو الأرض ، وأبان بن يزيد عن عاصم كذلك أو بفتح الدال مبنياً للمفعول واحد بالرفع وعصمة كذلك ، والضحاك نغدر بضم النون وإسكان الغين وكسر الدال ،