البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

{ ووضع الكتاب } وقرأ زيد بن عليّ { ووضع } مبنياً للفاعل { الكتاب } بالنصب .

و { الكتاب } اسم جنس أي كتب أعمال الخلق ، ويجوز أن تكون الصحائف كلها جعلت كتاباً واحداً ووضعته الملائكة لمحاسبة الخلق وإشفاقهم خوفهم من كشف أعمالهم السيئة وفضحهم وما يترتب على ذلك من العذاب السرمدي ، ونادوا هلكتهم التي هلكوا خاصة من بين الهلكات فقالوا يا ويلنا والمراد من بحضرتهم كأنهم قالوا يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا ، وكذا ما جاء من نداء ما لا يعقل كقوله

{ يا أسفي على يوسف } { يا حسرتي على ما فرطت } { يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } وقول الشاعر :

يا عجباً لهذه الفليقة***فيا عجباً من رحلها المتحمل

إنما يراد به تنبيه من يعقل بالتعجب مما حل بالمنادي .

و { لا يغادر } جملة في موضع الحال .

وعن ابن عباس : الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة .

وعن ابن جبير : القبلة والزنا وعن غيره السهو والعمد .

وعن الفضيل صبحوا والله من الصغائر قبل الكبائر ، وقدمت الصغيرة اهتماماً بها ، وإذا أحصيت فالكبيرة أحرى { إلاّ أحصاها } ضبطها وحفظها { ووجدوا ما عملوا حاضراً } في الصحف عتيداً أو جزاء ما عملوا .

{ ولا يظلم ربك أحداً } فيكتب عليه ما لم يعمل أو يزيد في عقابه الذي يستحقه أو يعذبه بغير جرم .

قال الزمخشري : كما يزعم من ظلم الله في تعذيب أطفال المشركين انتهى .

ولا يقال : إن ذلك ظلم منه تعالى لأنه تعالى كل مملوكون له فله أن يتصرف في مملوكيه بما يشاء ، لا يسأل عما يفعل ، والصحيح في أطفال المشركين أنهم يكونون في الجنة خدماً لأهلها نص عليه في البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .