البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞مَّآ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّينَ عَضُدٗا} (51)

العضد العضو من الإنسان وغيره معروف وفيه لغتان ، فتح العين وضم الضاد وإسكانها وفتحها وضم العين والضاد وإسكان الضاد ، ويستعمل في العون والنصير .

قال الزجاج : والإعضاد التقوّي وطلب المعونة يقال : اعتضدت بفلان استعنت به .

وقرأ الجمهور { ما أشهدتهم } بتاء المتكلم .

وقرأ أبو جعفر وشيبة والسبختياني وعون العقيلي وابن مقسم : ما أشهدناهم بنون العظمة ، والظاهر عود ضمير المفعول في { أشهدتهم } على إبليس وذريته أي لم أشاورهم في { خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم } بل خلقتهم على ما أردت ، ولهذا قال { وما كنت متخذ المضلين عضداً } .

وقال الزمخشري : يعني إنكم اتخذتم شركاء لي في العبادة وإنما كانوا يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الإلهية فنفي مشاركتهم في الإلهية بقوله : { ما أشهدتهم خلق السموات والأرض } لا أعتضد بهم في خلقها { ولا خلق أنفسهم } أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله

{ ولا تقتلوا أنفسكم } وما كنت متخذهم أعواناً فوضع { المضلين } موضع الضمير ذماً لهم بالإضلال فإذا لم يكونوا لي { عضداً } في الخلق فما لكم تتخذونهم شركاء في العبادة انتهى .

وقيل : يعود على الملائكة والمعنى أنه ما أشهدهم ذلك ولا استعان بهم في خلقها بل خلقتهم ليطيعوني ويعبدوني فكيف يعبدونهم .

وقيل : يعود على الكفار .

وقيل : على جميع الخلق .

وقال ابن عطية : الضمير في { أشهدتهم } عائد على الكفار وعلى الناس بالجملة ، فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجمين وأهل الطبائع والمتحكمين والأطباء وسواهم من كل من يتخرص في هذه الأشياء ، وقاله عبد الحق الصقلي وتأول هذا التأويل في هذه الآية وأنها رادة على هذه الطوائف ، وذكر هذا بعض الأصوليين انتهى .

وقرأ أبو جعفر والجحدري والحسن وشيبة { وما كنت } بفتح التاء خطاباً للرسول صلى الله عليه وسلم .

قال الزمخشري : والمعنى وما صح لك الاعتضاد بهم ، وما ينبغي لك أن تعتز بهم انتهى .

والذي أقوله أن المعنى إخبار من الله عن نبيه وخطاب منه تعالى له في انتفاء كينونته متخذ عضد من المضلين ، بل هو مذ كان ووجد عليه السلام في غاية التبرّي منهم والبعد عنهم لتعلم أمته أنه لم يزل محفوظاً من أول نشأته لم يعتضد بمضل ولا مال إليه صلى الله عليه وسلم .

وقرأ عليّ بن أبي طالب متخذاً المضلين أعمل اسم الفاعل .

وقرأ عيسى { عضداً } بسكون الضاد خفف فعلاً كما قالوا : رجل وسبع في رجل وسبع وهي لغة عن تميم ، وعنه أيضاً بفتحتين .

وقرأ شيبة وأبو عمر وفي رواية هارون وخارجة والخفاف { عضداً } بضمتين ، وعن الحسن { عضداً } بفتحتين وعنه أيضاً بضمتين .

وقرأ الضحاك { عضداً } بكسر العين وفتح الضاد .