البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ} (123)

والضمير في { اهبطا } ضمير تثنية وهو أمر لآدم وحواء جعل هبوطهما عقوبتهما و { جميعاً } حال منهما .

وقال ابن عطية : ثم أخبرهما بقوله { جميعاً } أن إبليس والحية مهبطان معهما ، وأخبرهما أن العداوة بينهم وبين أنسالهم إلى يوم القيامة انتهى .

ولا يدل قوله { جميعاً } أن إبليس والحية يهبطان معهما لأن { جميعاً } حال من ضمير الاثنين أي مجتمعين ، والضمير في { بعضكم لبعض } ضمير جمع .

قيل : يريد إبليس وبنيه وآدم وبنيه .

وقيل : أراد آدم وذريته ، فالعداوة واقعة بينهم والبغضاء لاختلاف الأديان وتشتت الآراء .

وقيل : آدم وإبليس والحية .

وقال أبو مسلم الأصبهاني : الخطاب لآدم عليه السلام ولكونهما جنسين صح قوله { اهبطا } ولأجل اشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة صح قوله { فإما يأتينكم مني هدى } .

وقال الزمخشري : لما كان آدم وحواء عليهما السلام أصلي البشر والسببين اللذين منهما نشؤوا وتفرعوا جعلا كأنهما البشر في أنفسهما فخوطبا مخاطبتهم ، فقيل { فإما يأتينكم } على لفظ الجماعة ، ونظيره إسنادهم الفعل إلى السبب وهو في الحقيقة للمسبب انتهى .

و { هدى } شريعة الله .

وعن ابن عباس ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم تلا { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } والمعنى أن الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين ، فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه .

وعن ابن جبير من قرأ القرآن واتبع ما فيه عصمه الله من الضلالة ووقاه سوء الحساب .

وقال أبو عبد الله الرازي : وهذه الآية تدل على أن المراد بالهدى الذي ذكره الله تعالى اتباع الأدلة واتباعها لا يتكامل إلاّ بأن يستدل بها ، وبأن يعمل بها ، ومن هذه حاله فقد ضمن تعالى أن لا يضل ولا يشقى في الآخرة لأنه تعالى يهديه إلى الجنة .

وقيل { لا يضل ولا يشقى } في الدنيا .

فإن قيل : المنعم بهدى الله قد يلحقه الشقاء في الدنيا .

قلنا : المراد لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين فإن حصل بسبب آخر فلا بأس انتهى .