البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

تقدّمت قصة آدم في البقرة والأعراف والحجر والكهف ، ثم ذكر ههنا لما تقدّم { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } كان من هذا الإنباء قصة آدم ليتحفظ بنوه من وسوسة الشيطان ويتنبهوا على غوائله ، ومن أطاع الشيطان منهم ذكر بما جرى لأبيه آدم معه وأنه أوضحت له عداوته ، ومع ذلك نسي ما عهد إليه ربه وأيضاً لما أمر بأن يقول { رب زدني علماً } كان من ذلك ذكر قصة آدم وذكر شيء من أحواله فيها لم يتقدّم ذكرها ، فكان في ذلك مزيد علم له عليه السلام ، والعهد عند الجمهور الوصية .

والظاهر أن المضاف إليه المحذوف بعد قوله { من قبل } تقديره { من قبل } هؤلاء الذين صرف لهم من الوعيد في القرآن لعلهم يتقون ، وهم الناقضو عهد الله والتاركو الإيمان .

وقال الحسن : { من قبل } الرسول والقرآن .

وقيل : { من قبل } أن يأكل من الشجرة .

وقال الطبري : المعنى أن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس ، فقدما فعل ذلك أبوهم آدم .

قال ابن عطية : وهذا ضعيف وذلك أن كون آدم مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، وآدم عليه السلام إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضته عليه السلام ، وإنما الظاهر في هذه الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله ، وإما أن يجعل تعلقه إنما هو لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبيّ قبله عهد إليه { فنسي } فعرف ليكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال الزمخشري : يقال في أوامر الملوك ووصاياهم : تقدم الملك إلى فلان وأوغر عليه وعزم عليه وعهد إليه ، عطف الله سبحانه وتعالى قصة آدم على قوله { وصرّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون } والمعنى وأقسم قسماً لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة ، وتوعدناه بالدخول في جملة الظالمين إن قربها وذلك { من قبل } وجودهم و { من قبل } أن نتوعدهم فخالف إلى ما نُهي عنه وتوعد في ارتكابه مخالفتهم ، ولم يلتفت إلى الوعيد كما لا يلتفتون كأنه يقول : إن أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه انتهى .

والظاهر أن النسيان هنا الترك إن ترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها .

وقال الزمخشري : يجوز أن يراد بالنسيان الذي هو نقيض الذكر وأنه لم يعن بالوصية العناية الصادقة ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس حتى تولد من ذلك النسيان انتهى .

وقاله غيره .

وقال ابن عطية : ونسيان الذهول لا يمكن هنا لأنه لا يتعلق بالناسي عقاب انتهى .

وقرأ اليماني والأعمش فَنُسِّيَ بضم النون وتشديد السين أي نسّاه الشيطان ، والعزم التصميم والمضي .

قال الزمخشري : أي على ترك الأكل وأن يتصلب في ذلك تصلباً يؤيس الشيطان من التسويل له ، والوجود يجوز أن يكون بمعنى العلم ومفعولاه { له عزماً } وأن يكون نقيض العدم كأنه قال وعد منا { له عزماً } انتهى .

وقيل { ولم نجد له عزماً } على المعصية وهذا يتخرج على قول من قال إنه فعل نسياناً .

وقيل : حفظاً لما أمر به .

وقيل : صبراً عن أكل الشجرة .

وقيل { عزماً } في الاحتياط في كيفية الاجتهاد .