البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَيَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (202)

وقرأ الجمهور : { فيأتيهم } ، بياء ، أي العذاب .

وقرأ الحسن ، وعيسى : بتاء التأنيث ، أنث على معنى العذاب لأنه العقوبة ، أي فتأتيهم العقوبة يوم القيامة ، كما قال : أتته كتابي ، فلما سئل قال : أو ليس بصحيفة ؟ قال الزمخشري : فتأتيهم بالتاء ، يعني الساعة .

وقال أبو الفضل الرازي : أنث العذاب لاشتماله على الساعة ، فاكتسى منها التأنيث ، وذلك لأنهم كانوا يسألون عذاب القيامة تكذيباً بها ، فلذلك أنث .

ولا يكتسى المذكر من المؤنث تأنيثاً إلا إن كان مضافاً إليه نحو : اجتمعت أهل اليمامة ، وقطعت بعض أصابعه ، وشرقت صدر القناة ، وليس كذلك .

وقرأ الحسن : بغتة ، بفتح الغين ، فتأتيهم بالتاء من فوق ، يعني الساعة .

وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى التعقيب في قوله : { فتأتيهم بغتة } قلت : ليس المعنى يراد برؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه الوجود ، وإنما المعنى ترتبها في الشدة ، كأنه قيل : لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم العذاب مما هو أشد منها ، وهو لحوقه بهم مفاجأة مما هو أشد منه ، وهو سؤالهم النظرة .

ومثل ذلك أن تقول : إن أسأت مقتك الصالحون ، فمتقك الله ، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أن مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين ، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسيء ، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين .

فما هو أشد من مقتهم ؟ وهو مقت الله .

ويرى ، ثم يقع هذا في هذا الأسلوب ، فيحل موقعه . انتهى .