البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ} (195)

والظاهر تعلق { بلسان } بنزل ، فكان يسمع من جبريل حروفاً عربية .

قال ابن عطية ، وهو القول الصحيح : وتكون صلصلة الجرس صفة لشدة الصوت وتداخل حروفه وعجلة مورده وإغلاظه .

ويمكن أن يتعلق بقوله : { لتكون } ، وتمسك بهذا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يسمع أحياناً مثل صلصلة الجرس ، يتفهم له منه القرآن ، وهو مردود . انتهى .

وقال الزمخشري : { بلسان } ، إما أن يتعلق بالمنذرين ، فيكون المعنى : لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان ، وهم خمسة : هود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم ؛ وإما أن يتعلق بنزل ، فيكون المعنى : نزله باللسان العربي المبين لتنذر به ، لأنه لو نزله باللسان الأعجمي ، لتجافوا عنه أصلاً وقالوا : ما نصنع بما لا نفهمه ؟ فيتعذر الإنذار به .

وفي هذا الوجه ، إن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك ، تنزيل له على قلبك ، لأنك تفهمه ويفهمه قومك .

ولو كان أعجمياً ، لكان نازلاً على سمعك دون قلبك ، لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها ، وقد يكون الرجل عارفاً بعدة لغات ، فإذا كلم بلغته التي لقنها أولاً ونشأ عليها وتطبع بها ، لم يكن قلبه إلا إلى معاني تلك الكلم يتلقاها بقلبه ، ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت .

وإن كلم بغير تلك اللغة ، وإن كان ماهراً بمعرفتها ، كان نظره أولاً في ألفاظها ، ثم في معانيها .