البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِنَّهُۥ لَفِي زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِينَ} (196)

فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين . انتهى .

وفيه تطويل .

{ وإنه } ، أي القرآن ، { لفي زبر الأولين } : أي مذكور في الكتب المنزلة القديمة ، منبه عليه مشار إليه .

وقيل : إن معانيه فيها ، وبه يحتج لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة ، على أن القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية ، حيث قيل : { وإنه لفي زبر الأولين } ، لكون معانيه فيها .

وقيل : الضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي إن ذكره ورسالته في الكتب الإلهية المتقدمة يكون التفاتاً ، إذ خرج من ضمير الخطاب في قوله : { على قلبك لتكون } إلى ضمير الغيبة ، وكذلك قبل في أن يعلمه ، أي أن يعلم محمداً صلى الله عليه وسلم ، وتناسق الضمائر لشيء واحد أوضح .

وقرأ الأعمش : لفي زبر ، بسكون الباء ، والأصل الضم ، ثم احتج عليهم بأنهم كان ينبغي أن يصحح عندهم أمره ، كون علماء بني إسرائيل يعلمونه ، أي أو لم يكن لهم علامة على صحة علم بني إسرائيل به ؟ إذ كانت قريش ترجع في كثير من الأمور النقلية إلى بني إسرائيل ، ويسألونهم عنها ويقولون : هم أصحاب الكتب الإلهية .

وقد تهود كثير من العرب وتنصر كثير ، لاعتقادهم في صحة دينهم .

وذكر الثعلبي ، عن ابن عباس ، أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : هذا زمانه ، ووصفوا نعته ، وخلطوا في أمر محمد عليه السلام ، فنزلت الآية في ذلك ، ويؤيد هذا كون الآية مكية .

وقال مقاتل : هي مدنية .