البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرۡشَهَا نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِيٓ أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهۡتَدُونَ} (41)

{ قال نكروا لها عرشها } .

روي أن الجن أحست من سليمان ، أو ظنت به أنه ربما تزوج بلقيس ، فكرهوا ذلك ورموها عنده بأنها غير عاقلة ولا مميزة ، وأن رجلها كحافر دابة ، فجرب عقلها وميزها بتنكير العرش ، ورجلها بالصرح ، لتكشف عن ساقيها عنده .

وتنكير عرشها ، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : بأن زيد فيه ونقص منه .

وقيل : بنزع ما عليه من الفصوص والجواهر .

وقيل : بجعل أسفله أعلاه ومقدمه مؤخره .

والتنكير : جعله متنكراً متغيراً عن شكله وهيئته ، كما يتنكر الرجل للناس حتى لا يعرفوه .

وقرأ الجمهور : ننظر : بالجزم على جواب الأمر .

وقرأ أبو حيوة : بالرفع على الاستئناف .

أمر بالتنكير ، ثم استأنف الإخبار عن نفسه بأنه ينظر ، ومتعلق أتهتدي محذوف .

والظاهر أنه أتهتدي لمعرفة عرشها ولا يجعل تنكيره قادحاً في معرفتها له فيظهر بذلك فرط عقلها وأنها لم يخف عليه حال عرشها وإن كانوا قد راموا الإخفاء أو أتهتدي للجواب المصيب إذا سئلت عنه ، أو أتهتدي للإيمان بنبوة سليمان عليه السلام إذا رأت هذا المعجز من نقل عرشها من المكان الذي تركته فيه وغلقت الأبواب عليه وجعلت له حراساً .