البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱرۡجِعۡ إِلَيۡهِمۡ فَلَنَأۡتِيَنَّهُم بِجُنُودٖ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخۡرِجَنَّهُم مِّنۡهَآ أَذِلَّةٗ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ} (37)

{ ارجع إليهم } : هو خطاب للرسول الذي جاء بالهدية ، وهو المنذر بن عمرو أمير الوفد ، والمعنى : ارجع إليهم بهديتهم ، وتقدمت قراءة عبد الله : ارجعوا إليهم ، وارجعوا هنا لا تتعدى ، أي انقلبوا وانصرفوا إليهم .

وقيل : الخطاب بقوله : ارجع ، للهدهد محملاً كتاباً آخر .

ثم أقسم سليمان فقال : { فلنأتينهم بجنود } ، متوعداً لهم ، وفيه حذف ، أي إن لم يأتوني مسلمين .

ودل هذا التوعد على أنهم كانوا كفاراً باقين على الكفر إذ ذاك .

والضمير في { بها } عائد على الجنود ، وهو جمع تكسير ، فيجوز أن يعود الضمير عليه ، كما يعود على الواحدة ، كما قالت العرب : الرجال وأعضادها .

وقرأ عبد الله : بهم .

ومعنى { لا قبل } : لا طاقة ، وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة ، أي لا تقدرون أن تقابلوهم .

والضمير في منها عائد على سبأ ، وهي أرض بلقيس وقومها .

وانتصب { أذلة } على الحال .

{ وهم صاغرون } : حال أخرى .

والذل : ذهاب ما كانوا فيه من العز ، والصغار : وقوعهم في أسر واستعباد ، ولا يقتصر بهم على أن يرجعوا سوقة بعد أن كانوا ملوكاً .

وفي مجيء هاتين الحالتين دليل على جواز أن يقضي العامل حالين الذي حال واحد ، وهي مسألة خلاف ، ويمكن أن يقال : إن الثانية هنا جاءت توكيداً لقوله : { أذلة } ، فكأنهما حال واحدة .