البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقِيلَ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ لَوۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ يَهۡتَدُونَ} (64)

{ وقيل ادعوا شركاءكم } : لما سئلوا أين شركاؤكم وأجابوا بغير جواب ، سئلوا ثانياً فقيل : ادعوا شركاءكم ، وأضاف الشركاء إليهم ، أي الذين جعلتموهم شركاء لله .

وقوله : { ادعوا شركاءكم } ، على سبيل التهكم بهم ، لأنه يعلم أنه لا فائدة في دعائهم ، { فدعوهم } ، هذا لسخافة عقولهم في ذلك الموطن أيضاً ، إذ لم يعلموا أن من كان موجوداً منهم في ذلك الموطن لا يجيبهم ، والضمير في { ورأوا } .

قال الضحاك ومقاتل : هو للتابع والمتبوع ، وجواب لو محذوف ، والظاهر أن يقدر مما يدل عليه مما يليه ، أي لو كانوا مؤمنين في الدنيا ، ما رأوا العذاب في الآخرة .

وقيل : التقدير : لو كانوا مهتدين بوجه من وجوه الحيل ، لدفعوا به العذاب .

وقيل : لعلموا أن العذاب حق .

وقيل : لتحيروا عند رؤيته من فظاعته ، وإن لم يعذبوا به ، وقيل : ما كانوا في الدنيا عابدين الأصنام .

وقال أبو عبد الله الرازي : وعندي أن الجواب غير محذوف ، وفي تقريره وجوه : أحدها : أن الله إذا خاطبهم بقوله : { ادعوا شركاءكم } ، اشتدّ خوفهم ولحقهم شيء بحيث لا يبصرون شيئاً ، لا جرم ما رأوا العذاب .

وثانيها : لما ذكر الشركاء ، وهي الأصنام ، وأنهم لا يجيبون الذين دعوهم ، قال في حقهم : { ورأوا العذاب } ، لو كانوا من الأحياء المهتدين ، ولكنها ليست كذلك ، ولا جرم ما رأت العذاب .

والضمير في رأوا ، وإن كان للعقلاء ، فقد قال : ودعوهم وهم للعقلاء .

انتهى ، وفيه بعض تلخيص .

وقد أثنى على هذا الذي اختاره ، وليس بشيء ، لأنه بناه على أن الضمير في رأوا عائد على المدعوين ، قال : وهم الأصنام .

والظاهر أنه عائد على الداعين ، كقوله : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين أتبعوا ورأوا العذاب } ولأن حمل مهتدين على الأحياء في غاية البعد ، لأن ما قدره هو جواب ، ولا يشعر به أنه جواب ، إذ صار التقدير عنده : لو كانوا من الأحياء رأوا العذاب ، لكنها ليست من الأحياء ، فلا ترى العذاب .

ألا ترى إلى قوله : فلا جرم ما رأت العذاب ؟