البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

{ وربك يخلق ما يشاء ويختار } : نزلت بسبب ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقول بعضهم : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم }

وقائل ذلك الوليد بن المغيرة .

قال القرطبي : هذا متصل بذكر الشركاء الذين دعوهم واختاروهم للشفاعة ، أي الاختيار إلى الله تعالى في الشفعاء ، لا إلى المشركين .

وقيل : هو جواب لليهود ، إذ قالوا : لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل ، لأمنا به ، ونص الزجاج ، وعليّ بن سليمان ، والنحاس : على أن الوقف على قوله : { ويختار } تام ، والظاهر أن ما نافية ، أي ليس لهم الخيرة ، إنما هي لله تعالى ، كقوله : { ما كان لهم الخيرة } من أمرهم .

وذهب الطبري إلى أن ما موصولة منصوبة بيختار ، أي ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس ، كما لا يختارون هم ما ليس إليهم ، ويفعلون ما لم يؤمروا به .

وأنكر أن تكون ما نافية ، لئلا يكون المعنى : إنه لم تكن لهم الخير فيما مضى ، وهي لهم فيما يستقبل ، ولأنه لم يتقدّم كلام ينفي .

وروي عن ابن عباس معنى ما ذهب إليه الطبري ، وقد رد هذا القول تقدّم العائد على الموصول ، وأجيب بأن التقدير : ما كان لهم فيه الخيرة ، وحذف لدلالة المعنى .

قال الزمخشري : كما حذف من قوله : { إن ذلك لمن عزم الأمور } يعني : أن التقدير أن ذلك فيه لمن عزم الأمور .

وأنشد القاسم ابن معن بيت عنترة :

أمن سمية دمع العين تذريف *** لو كان ذا منك قبل اليوم معروف

وقرن الآية بهذا البيت .

والرواية في البيت : لو أن ذا ، ولكن على ما رواه القاسم يتجه في بيت عنترة أن يكون في كان ضمير الشأن .

فأما في الآية ، فقال ابن عطية : تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف .

قال ابن عطية : ويتجه عندي أن تكون ما مفعولة ، إذا قدرنا كان تامة ، أي أن الله تعالى يختار كل كائن ، ولا يكون شيء إلا بإذنه .

وقوله : { لهم الخيرة } : جملة مستأنفة معناها : تعديد النعمة عليهم في اختيار الله لهم ، لو قبلوا وفهموا . انتهى .

يعني : والله أعلم خيرة الله لهم ، أي لمصلحتهم .

والخيرة من التخير ، كالطيرة من التطير ، يستعملان بمعنى المصدر ؛ والجمل التي بعد هذا تقدم الكلام عليها .