{ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين } الإشارة بتلك قيل : إلى القرآن كله .
وقيل : إلى ما أنزل من الآيات في أمر الأوس والخزرج واليهود الذين مكروا بهم ، والتقدم إليهم بتجنب الافتراق .
وكشف تعالى للمؤمنين عن حالهم وحال أعدائهم بقوله : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } وقيل : تلك بمعنى هذه لما انقصت صارت كأنها بعدت .
وقال الزمخشري : تلك آيات الله الواردة في الوعد والوعيد ، وكذا قال ابن عطية .
قال الإشارة بتلك إلى هذه الآيات المتقدمة المتضمنة تعذيب الكفارة وتنعيم المؤمنين .
وقرأ الجمهور نتلوها بالنون على سبيل الالتفات ، لما في إسناد التلاوة للمعظم ذاته من الفخامة والشرف .
والأحسن أنْ يكون الضمير المرفوع في نتلوها في هذه القراءة عائد على الله ، ليتحد الضمير .
وليس فيه التفات ، لأنه ضمير غائب عاد على اسم غائب .
ومعنى التلاوة : القراءة شيئاً بعد شيء ، وإسناد ذلك إلى الله على سبيل المجاز ، إذ التالي هو جبريلٌ لما أمره بالتلاوة كان كأنه هو التالي تعالى .
وقيل : يجوز أن يكون معنى يتلوها ينزلها متوالية شيئاً بعد شيء .
وجوزوا في قراءة أبي نهيك أن يكون ضمير الفاعل عائداً على جبريل وإنْ لم يجر له ذكر للعلم به .
وقيل : المعنى متضمنة الأفاعيل التي هي أنفسها حق من كرامة قوم وتعذيب آخرين .
وتلك مبتدأ أو آيات الله خبره ، ونتلوها جملة حالية .
قالوا : والعامل فيها اسم الإشارة .
وجوزوا أن يكون آيات الله بدلاً ، والخبر نتلوها .
وقال الزجاج : في الكلام حذف تقديره تلك آيات القرآن المذكورة حجج الله ودلائله انتهى .
فعلى هذا الذي قدره يكون خبر المبتدأ محذوف ، لأنّه عنده بهذا التقدير يتم معنى الآية .
ولا حاجة إلى تقدير هذا المحذوف ، إذ الكلام مستغن عنه تام بنفسه .
والباء في بالحق باء المصاحبة ، فهي في الموضع الحال من ضمير المفعول أي : ملتبسة بالحق .
وقال الزمخشري : ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه انتهى .
فدسّ في قوله بما يستوجبانه دسيسة اعتزالية .
ثم أخبر تعالى أنه لا يريد الظلم ، وإذا لم يرده لم يقع منه لأحد .
فما وقع منه تعالى من تنعيم قوم وتعذيب آخرين ليس من باب الظلم ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه .
روى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال : « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا » وفي الحديث الصحيح أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدّنيا ما عمل لله بها ، فإذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها » وقيل : المعنى لا يزيد في إساءة المسيء ولا ينقص من إحسان المحسن ، وفيه تنبيه على أن تسويد الوجوه عدل انتهى .
وللعالمين في موضع المفعول للمصدر الذي هو ظلم ، والفاعل محذوف مع المصدر التقدير : ظلمه ، والعائد هو ضمير الله تعالى أي : ليس الله مريداً أن يظلم أحداً من العالمين .
ونكر ظلماً لأنّه في سياق النفي ، فهو يعم .
وقيل : المعنى أنه تعالى لا يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض .
واللفظ ينبو عن هذا المعنى ، إذ لو كان هذا المعنى مراداً لكان من أحق به من الكلام ، فكان يكون التركيب : وما الله يريد ظلماً من العالمين .
وقال الزمخشري : وما الله يريد ظلماً فيأخذ أحداً بغير جرم ، أو يزيد في عقاب مجرم ، أو ينقص من ثواب محسن ، ثم قال : فسبحان من يحلم عن من يصفه بإرادة القبائح والرّضا بها ، انتهى كلامه جارياً على مذهبه الاعتزالي .
ونقول له : فسبحان من يحلم عمن يصفه بأن يكون في ملكه ما لا يريد ، وإن إرادة العبد تغلب إرادة الرب تعالى الله عن ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.