البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (105)

قال ابن عباس : هم الأمم السالفة التي افترقت في الدين .

وقال الحسن : هم اليهود والنصارى اختلفوا وصاروا فرقاً .

وقال : قتادة هم أصحاب البدع من هذه الأمة .

زاد الزمخشري : وهم المشبهة ، والمجبرة ، والحشوية ، وأشباههم .

وقال أبو أمامة : هم الحرورية ، وروي في ذلك حديث : قال بعض معاصرينا : في قول قتادة وأبي أمامة نظر ، فإنّ مبتدعة هذه الأمة والحرورية لم يكونوا إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بزمان ، وكيف نهى الله المؤمنين أن يكونوا كمثل قوم ما ظهر تفرقهم ولا بدعهم إلا بعد انقطاع الوحي وموت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فإنّك لا تنهى زيداً أنْ يكونَ مثلَ عمرو إلا بعد تقدّم أمر مكروه جرى من عمرو ، وليس لقوليهما وجه إلا أن يكون تفرقوا واختلفوا من الماضي الذي أُريد به المستقبل ، فيكون المعنى : ولا تكونوا كالذين يتفرقون ويختلفون ، فيكون ذلك من إعجاز القرآن وإخباره بما لم يقع ثم وقع .

انتهى كلامه .

والبيِّناتُ على قول ابن عباس : آياتُ الله التي أنزلت على أهل كل ملة .

وعلى قول الحسن : التوراة .

وعلى قول قتادة وأبي أمامة : القرآن { وأولئك لهم عذاب عظيم } يتّصفُ عذابُ الله بالعظيم ، إذ هو أمر نسبي يتفاوت فيه رتب المعذَّبين ، كعذاب أبي طالب وعذاب العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .