{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } .
لما حذرهم تعالى من إضلال مَنْ يريدُ إضلالهم ، أمرهم بمجامع الطاعات ، فرهبهم أولاً بقوله : اتقوا الله ، إذ التقوى إشارة إلى التخويف من عذاب الله ، ثم جعلها سبباً للأمر بالاعتصام بدين الله ، ثم أردف الرهبة بالرغبة ، وهي قوله : { واذكروا نعمة الله عليكم } وأعقب الأمر بالتقوى والأمر بالاعتصام بنهي آخر هو من تمام الاعتصام .
قال ابن مسعود ، والربيع ، وقتادة ، والحسن : حق تقاته هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر .
وقيل : حق تقاته اتقاء جميع معاصيه .
وقال قتادة ، والسدي ، وابن زيد ، والربيع : هي منسوخة بقوله : { فاتقوا الله ما استطعتم } أمروا أولاً بغاية التقوى حتى لا يقع إخلال بشيء ثم نسخ .
وقال ابن عباس ، وطاوس : هي محكمة .
{ واتقوا الله ما استطعتم } بيان لقوله : اتقوا الله حق تقاته .
وقيل : هو أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو ابنه أو أبيه .
وقيل : لا يتقي الله عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه .
وقال ابن عباس : المعنى جاهدوا في الله حق جهاده .
وقال الماتريدي : وفي حرف حفصة اعبدوا الله حق عبادته .
وتقاة هنا مصدر ، وتقدم الكلام عليه في
{ إلا أن تتقوا منهم تقاة } قال ابن عطية : ويصح أن يكون التقاة في هذه الآية جمع فاعل وإنْ كان لم يتصرف منه ، فيكون : كرماة ورام ، أو يكون جمع تقي ، إحد فعيل وفاعل بمنزلة .
والمعنى على هذا : اتقوا الله كما يحق أن يكون متقوه المختصون به ، ولذلك أضيفوا إلى ضمير الله تعالى انتهى كلامه .
وهذا المعنى ينبو عنه هذا اللفظ ، إذ الظاهر أنّ قوله : حقّ تقاته من باب إضافة إلى موصوفها ، كما تقول : ضربت زيداً شديد الضرب ، أي الضرب الشديد .
فكذلك هذا أي اتقوا الله الاتقاء الحق ، أي الواجب الثابت .
أما إذا جعلت التقاة جمعاً فإنَّ التركيب يصير مثل : اضرب زيداً حق ضرابه ، فلا يدل هذا التركيب على معنى : اضرب زيداً كما يحق أن يكون ضرابه .
بل لو صرح بهذا التركيب لاحتيج في فهم معناه إلى تقدير أشياء يصح بها المعنى ، والتقدير : اضرب زيداً ضرباً حقاً كما يحق أن يكون ضرب ضرابه .
ولا حاجة تدعو إلى تحميل اللفظ غير ظاهره وتكلف تقادير يصح بها معنى لا يدل عليه ظاهر اللفظ .
{ ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ظاهره النهي عن أن يموتوا إلا وهم متلبسون بالإسلام .
والمعنى : دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه .
ونظيره ما حكى سيبويه من قولهم : لا أرينك ههنا ، وإنما المراد لا تكن هنا فتكون رؤيتي لك .
وقد تقدم لنا الكلام على هذا المعنى مستوفى في سورة البقرة في قوله : { إن الله اصطفى لكم الدّين } الآية والجملة من قوله : وأنتم مسلمون حالية ، والاستثناء مفرع من الأحوال .
التقدير : ولا تموتن على حال من الأحوال إلا على حالة الإسلام .
ومجيئُها إسمية أبلغُ لتكرر الضمير ، وللمواجهة فيها بالخطاب .
وزعم بعضهم أنَّ الأظهر في الجملة أن يكون الحال حاصلة قبل ، ومستصحبة .
وأمّا لو قيل : مسلمين ، لدلَّ على الاقتران بالموت لا متقدماً ولا متأخراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.