اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۗ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ} (108)

قوله : " تلْكَ " مبتدأ ، { آيَاتُ اللَّهِ } خبره ، و " نَتْلُوهَا " جملة حالية .

وقيل : { آيَاتُ اللَّهِ } بدل من " تِلْكَ " ، و " نَتْلُوها " جملة واقعة خبر المتبدأ ، و " بِالحَقِّ " حال من فاعل " نتلُوهَا " ، أو مفعولة ، وهي حال مؤكدة ؛ لأنه - تعالى - لا ينزلها إلا على هذه الصفة .

وقال الزَّجَّاج{[5788]} : " في الكلام حذف ، تقديره : تلك آيات القرآن حُجَجُ الله ودلائله " .

قال أبو حيان : فعلى هذا الذي قدَّره يكون خبر المبتدأ محذوفاً ؛ لأنه عنده بهذا التقدير يتم معنى الآية ، وهذا التقدير لا حاجة إليه ؛ [ إذ الكلام مُسْتَغْنٍ عنه ، تامٌّ بنفسه ]{[5789]} .

والإشارة ب " تِلْكَ " إلى الآيات المتقدمة المتضمنة تعذيب الكفار ، وتنعيم الأبرار ، وإنما جاز إقامة " تلك " مقام هذه ؛ لأن هذه الآيات المذكورة قد انقضت بعد الذكر ، فصارت كأنها بعدت ، فقيل فيها : " تلك " .

وقيل : لأن الله - تعالى - وعده أن يُنزل عليه كتاباً مشتملاً على ما لا بدّ منه في الدين ، فلما أنزل هذه الآيات قال : تلك الآيات الموعودة هي التي نتلوها عليك .

وقرأ العامة " نَتْلُوها " - بنون العظمة - وفيه التفات من الغيبة إلى التكلَّم .

وقرأ أبو نُهَيْك : " يتلوها " بالياء - من تحت{[5790]} - وفيه احتمالان :

أحدهما : أن يكون الفاعل ضمير الباري - تعالى - لتقدُّم ذكره في قوله : { آيَاتُ اللَّهِ } ولا التفات في هذا التقدير ، بخلاف قراءة العامة .

الثاني : أن يكون الفاعل ضمير جبريل .

قوله : { بِالْحَقِّ } فيه وجهان :

لأول : ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه .

الثاني : بالحق ، أي : بالمعنى الحق ؛ لأن معنى المتلُوِّ حَقّ .

قوله : { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } اللام - في " لِلْعَالَمِينَ " - زائدة - لا تعلُّق لها بشيء ، زيدت في مفعول المصدر وهو ظلم والفاعل محذوف ، وهو - في التقدير - ضمير الباري ، والتقدير : وما الله يريد أن يظلم العالمين ، فزيدت اللام ، تقوية للعامل ؛ لكونه فرعاً ، كقوله : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ البروج : 16 ] .

فصل

وقيل : معنى الكلام : وما الله يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض ، ورُدَّ هذا بأنه لو كان المراد هذا لكان التركيب ب " من " أولى منه باللام ، فكان يقال : ظلماً من العالمين ، فهذا معنى ينبو عنه اللفظ . ونكر " ظلماً " ؛ لأنه في سياق النفي ، فهو يعم كل أنواع الظلم ، وحسن ذكر الظلم - هنا - ، لأنه تقدم ذكر العقوبة الشديدة ، وهو تعالى أكرم الأكرمين ، فكأنه - تعالى يعتذر عن ذلك ، فقال : إنهم إنما وقعوا في هذا العذاب بسبب أفعالهم .

108


[5788]:ينظر: معاني القرآن 1/466.
[5789]:في أ: إذ المعنى تام بدونه.
[5790]:ينظر: المحرر الوجيز 1/488، والبحر المحيط 3/28، والدر المصون 2/185.