غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۗ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ} (108)

102

{ تلك } الأحكام التي وردت في حيز الوعيد والوعد وانقضى ذكرها { آيات الله نتلوها عليك } متلبسة { بالحق } العدل من جزاء المحسن بإحسانه وجزاء المسيء بإساءته ، أو ملتبسة بالمعنى الحق لأن معنى المتلو حق { وما الله يريد ظلما للعالمين } ولكن مصالح الخلق لا تنتظم إلا بتهديد المذنبين ، وإذا حصل التهديد فلا بد من التحقيق دفعاً للكذب عمن هو أصدق القائلين . قال الجبائي : قوله : { ظلماً } نكرة في سياق النفي فوجب أن لا يريد شيئاً مما يكون ظلماً سواء فرض منه أو من العبد على نفسه أو على غيره ، وإذا لم يرد لم يفعل إذ لو كان فاعلاً لشيء من الأقسام الثلاثة كان مريداً له هذا خلف ، فثبت بهذه الآية أنه تعالى غير فاعل للظلم وغير فاعل لأعمال العباد ، إذ من جملتها القبائح ، وقد بينا أنه لا يريدها . ثم إنه تعالى تمدح بأنه لا يريد ذلك ، والتمدح إنما يصح لو صح منه فعل ذلك الشيء وصح منه كونه مريداً له ، فدلت الآية على أنه قادر عل الظلم وعلى أن يمنع الظلمة من الظلم على سبيل الإلجاء والقهر فلهذا قال : { ولله ما في السماوات وما في الأرض } وأيضاً لما ذكر أنه لا يريد الظلم والقبائح استدل عليه بأن فاعل القبيح إنما يفعل القبيح للجهل أو العجز أو الحاجة . وكل ذلك على الله تعالى محال لأنه مالك لكل ما في السماوات وما في الأرض بل لكل ما في الوجود .

وربما يقال : معنى الآية إما أن يكون أنه لا يريد أن يظلمهم ، أو أنه لا يريد أن يظلم بعضهم بعضاً . والأول لا يستقيم على مذهبكم لأن من مذهبكم أنه تعالى لو عذب البريء من الذنب أشد العذاب لم يكن ظالماً بل كان عادلاً لأن الظلم تصرف في ملك الغير وهو تعالى إنما يتصرف في ملك نفسه ، فتصور الظلم منه محال عندكم ، فلا يلزم منه مدح . والثاني أيضاً محال على قولكم لأن كلاً بإرادة الله وبتكوينه عندكم ، فثبت أنه لا يمكن حمل الآية على وجه صحيح في مذهبكم . أجاب أهل السنة من وجهين : الأول أنه يتوقف التمدح بنفي صفة على إمكان تصور ذلك الشيء منه بدليل قوله :{ لا تأخذه سنة ولا نوم }[ البقرة :255 ]{ وهو يطعم ولا يطعم }[ الأنعام :14 ] ولا يتوقف التمدح بذلك على صحة النوم والأكل عليه . الثاني أنه تعالى إن عذب من ليس بمستحق للظلم لم يكن ظالماً لكنه في صورة الظلم . وقد يطلق اسم أحد المتشابهين على الآخر كقوله :{ وجزاء سيئة سيئة مثلها }[ الشورى :40 ] والحق في هذا المقام أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه . وإذا كان اللطف والقهر من ضرورات صفات الكمال ، فوضع كل منهما في مظهره يكون وضع الشيء في موضعه فلا يكون ظلماً .

/خ111