{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } الأمر متوجه لمن بتوجه الخطاب عليهم .
قيل : وهم الأوس والخزرج على ما ذكره الجمهور .
وأمرُه لهم بذلك أمرٌ لجميع المؤمنين ، ومن تابعهم إلى يوم القيامة ، فهو من الخطاب الخاص الذي يراد به العموم .
ويحتمل أن يكونَ الخطاب عاماً فيدخل فيه الأوس والخزرج .
والظاهرُ أنَّ قوله { منكم } يدل على التبعيض ، وقاله : الضحاك والطبري .
لأن الدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصلح إلا لمن علم المعروف والمنكر ، وكيف يرتب الأمر في إقامته ، وكيف يباشر ؟ فإن الجاهل ربما أمر بمنكر ، ونهى عن معروف ، وربما عرف حكماً في مذهبه مخالفاً لمذهب غيره ، فينهى عن غير منكر ويأمر بغير معروف ، وقد يغلظ في مواضع اللين وبالعكس .
فعلى هذا تكون مِنْ للتبعيض ، ويكون متعلق الأمر ببعض الأمة ، وهم الذين يصلحون لذلك .
وذهب الزجاج إلى أن مِنْ لبيان الجنس ، وأتى على زعمه بنظائر من القرآن وكلام العرب ، ويكون متعلق الأمر جميع الأمة يكونون يدعون جميع العالم إلى الخير ، الكفار إلى الإسلام ، والعصاة إلى الطاعة .
وظاهر هذا الأمر الفرضية ، فالجمهور على أنه فرض كفاية ، فإذا قام به بعض سقط عن الباقين .
وذهب جماعة ، من العلماء إلى أنه فرض عين ، فيتعين على كل مسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متى قدر على ذلك وتمكّن منه .
واختلفوا في الذي يسقط الوجوب .
فقال قوم : الخشية على النفس ، وما عدا ذلك لا يسقطه .
وقال قوم : إذا تحقق ضرباً أو حبساً أو إهانة سقط عنه الفرض ، وانتقل إلى الندب والأمر والنهي وإن كانا مطلقين في القرآن فقد تقيّد ذلك بالسنَّة بقولِه صلى الله عليه وسلم :
« من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده ، فإنْ لم يستطعْ فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان » ولم يدفع أحد من علماء الأمة سَلَفها وخلَفها وجوب ذلك إلا قوم من الحشوية وجهَّال أهل الحديث ، فإنّهم أنكروا فعال الفئة الباغية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسلاح ، مع ما سمعوا من قوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } وزعموا أنّ السلطان لا يُنكرُ عليه الظلم والجور وقتل النفس التي حرم الله ، وإنما ينكر على غير السلطان بالقول أو باليد بغير سلاح .
وقد ذكر أبو بكر الرازي في أحكامه فصلاً مشبعاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذكر فيه أنّ دماء أصحابِ الضرائب والمكوس مباحة ، وأنه يجب على المسلمين قتلهم ، ولكل واحد من الناس أن يقتل من قدر عليه منهم من غير إنذار له ولا تقدم بالقول .
يدعون إلى الخير هو الإسلام قاله مقاتل ، أو العمل بطاعة الله قاله أبو سليمان الدمشقي ، أو الجهاد والإسلام .
وقرأ الجمهور : ولْتكن بسكون اللام .
وقرأ أبو عبد الرحمن ، والحسن ، والزهري ، وعيسى بن عمر ، وأبو حيوة : بكسرها ، وعلَّةُ بنائها على الكسر مذكورة في النحو .
وجوزوا في « ولتكن » أن تكون تامة ، فيكون منكم متعلقاً بها ، أو بمحذوف على أنه حال ، إذ لو تأخر لكان صفة لأمّة .
وأن تكون ناقصة ، ويدعون الخبر ، وتعلق من على الوجهين السابقين .
وجوزوا أيضاً أنْ يكونَ منكم الخبر ، ويدعون صفة .
ومحط الفائدة إنما هو في يدعون فهو الخبر .
و { يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } ذكر أولاً الدعاء إلى الخير وهو عام في التكاليف من الأفعال والتروك ، ثم جيء بالخاص إعلاماً بفضله وشرفه لقوله : { وجبريل وميكال } و { والصلاة الوسطى } وفسر بعضهم المعروف بالتوحيد ، والمنكر بالكفر .
ولا شك أن التوحيد رأس المعروف ، والكفر رأس المنكر .
ولكنَّ الظاهر العموم في كل معروف مأمور به في الشرع ، وفي كل منهي نهي عنه في الشرع .
وذكر المفسرون أحاديث مروية في فضل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وفي إثم من ترك ذلك ، وآثاراً عن الصحابة وغيرهم في ذلك ، وما طريق الوجوب هل السمع وحده كما ذهب إليه أبو هاشم ؟ أم السمع والعقل كما ذهب إليه أبوه أبو علي ؟ وهذا على آراء المعتزلة .
وأما شرائط النهي والوجوب ، ومن يباشر ، وكيفية المباشرة ، وهل ينهى عما يرتكبه ، لم تتعرض الآية لشيء من ذلك ، وموضوع هذا كله علم الفقه .
وقرأ عثمان ، وعبد الله ، وابن الزبير : وينهون عن المنكر ، ويستعينون الله على ما أصابهم .
ولم تثبت هذه الزيادة في سواد المصحف ، فلا يكون قرآناً .
وفيها إشارة إلى ما يصيب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من الأذى كما قال تعالى :
{ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك } وأولئك هم المفلحون : تقدم الكلام على هذه الجملة في أول البقرة .
وهو تبشير عظيم ، ووعد كريم لمن اتصف بما قبل هذه الجملة .
{ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } هذه والآية قبلها كالشرح لقوله تعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } فشرح الاعتصام بحبل الله بقوله : { ولتكن منكم أمة } ولا سيما على قول الزجاج .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.