البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

الفور : العجلة والإسراع .

تقول : اصنع هذا على الفور .

وأصلُه من فارت القدر اشتد غليانها ، وبادر ما فيها إلى الخروج .

ويقال : فار غضبه إذا جاش وتحرك .

وتقول : خرج من فوره ، أي من ساعته ، لم يلبث استعير الفور للسرعة ، ثم سميت به الحالة التي لا ريب فيها ولا تعريج على شيء من صاحبها .

الخمسة : رتبة من العدد معروفة ، ويصرف منها فعل يقال : خمست الأربعة أي صيرتهم في خمسة .

{ إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين } رتب تعالى على مجموع الصبر والتقوى وإتيان العدد من فورهم إمداده تعالى المؤمنين بأكثر من العدد السابق وعلّقه على وجودها ، بحيث لا يتأخر نزول الملائكة عن تحليهم بثلاثة الأوصاف .

ومعنى من فورهم : من سفرهم .

هذا قاله ابن عباس .

أو من وجههم هذا قاله : الحسن ، وقتادة ، والسدي .

قيل : وهي لغة هذيل ، وقيس ، وغيلان ، وكنانة : أو من غصبهم هذا قاله : مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وأبو صالح مولى أم هانىء أو معناه في نهضتهم هذه قاله : ابن عطية .

أو المعنى من ساعتهم هذه قاله الزمخشري .

ولفظة الفور تدل على السرعة والعجلة .

تقول : افعل هذا على الفور ، لا على التراخي .

ومنه الفور في الحج والوضوء .

وفي إسناد الإمداد إلى لفظة ربكم دون غيره من أسماء الله إشعارٌ بحسن النظر لهم ، واللطف بهم .

وقرأ الصاحبان والأخوان مسوّمين بفتح الواو ، وأبو عمرو وابن كثير وعاصم : بكسرها .

وقيل : من السومة ، وهي العلامة يكون على الشاة وغيرها ، يجعل عليها لون يخالف لونها لتعرف .

وقيل : من السوم وهو ترك البهيمة ترعى .

فعلى الأول روي أن الملائكة كانت بعمائم بيض ، إلا جبريل فبعمامة صفراء كالزبير قاله : ابن إسحاق ، والزجاج .

وقيل : بعمائم صفر كالزبير قاله : عروة وعبد الله ابنا الزبير ، وعباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير ، والكلبي وزاد : مرخاة على أكتافهم .

قيل : وكانوا على خيل بلق ، وكانت سيماهم قاله : قتادة ، والربيع .

أو خيلهم مجزوزة النواصي والأذناب ، معلمتها بالصوف والعهن .

قاله : مجاهد .

فبفتح الواو ومعلمين ، وبكسرها معلمين أنفسهم أو خيلهم .

ورجح الطبري قراءة الكسر ، بأنه عليه الصلاة والسلام قاله يوم بدر : « سوّموا فإن الملائكة قد سوّمته » وعلى القول الثاني : وهو السوم .

فمعنى مسوِّمين بكسر الواو : وسوّموا خيلهم أي أعطوها من الجري والجولان للقتال ، ومنه سائمة الماشية .

وأما بفتح الواو فيصح فيه هذا المعنى أيضاً ، قاله : المهدوي وابن فورك .

أي سوّمهم الله تعالى ، بمعنى أنه جعلهم يجولون ويجرون للقتال .

وقال أبو زيد : سوّم الرجل خيله أي أرسلها في الغارة .

وحكى بعض البصريين : سوّم الرجل غلامه أرسله وخلى سبيله .

ولهذا قال الأخفش : معنى مسوّميم مرسلين .

وفي الآية دليل على جواز اتخاذ العلامة للقبائل والكتائب لتتميز كل قبيلة وكتيبة عند الحرب .

/خ132