البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ} (128)

{ ليس لك من الأمر شيء } اختلف في سبب النزول وملخصه : أنه لعن ناساً أو شخصاً عين أنه عتبة بن أبي وقاص ، أو أشخاصاً دعا عليهم وعينوا : أبا سفيان ، والحرث بن هشام ، وصفوان بن أمية .

أو قبائل عين منها : لحيان ، ورعل ، وذكوان ، وعصية .

أو هم بسبب الذين انهزموا يوم أحد ، أو استأذن ربه أن يدعو .

ودعا يوم أحد حين شجَّ في وجهه ، وكسرت رباعيته ، ورمي بالحجارة ، حتى صرع لجنبه ، فلحقه ناس من فلاحهم ، ومال إلى أن يستأصلهم الله ويريح منهم ، فنزلت .

فعلى هذه الأسباب يكون معنى الآية : التوقيف على أن جميع الأمور إنما هي لله ، فيدخل فيها هداية هؤلاء وإقرارهم على حالة .

وفي خطابه : دليل على صدور أمر منه أو هم به ، أو استئذان في الدعاء كما تقدّم ذكره ، وأن عواقب الأمور بيد الله .

قال الكوفيون : نسخت هذه الآية القنوت على رعل وذكوان وعصية وغيرهم من المشركين .

وقال السخاوي : ليس هذا شرط الناسخ ، لأنه لم ينسخ قرآناً .

{ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } قيل : هو عطف على ما قبله من الأفعال المنصوبة .

ويكون قوله : ليس لك من الأمر شيء جملة اعتراضية ، والمعنى : أن الله مالك أمرهم ، فإما أنْ يهلكهم ، أو يهزمهم ، أو يتوب عليهم إن أسلموا ، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر .

وقيل : أن مضمرة بعد أو ، بمعنى : إلا أن ، وهي التي في قولهم : لألزمنك أو تقضيني حقي ، والمعنى : أنه ليس له من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم بالإسلام فيسر بهداهم ، أو يعذبهم بقتل وأسر في الدنيا ، أو بنار في الآخرة ، فيستشفى بذلك ويستريح .

وعلى هذا التأويل تكون الجملة المنفية للتأسيس ، لا للتأكيد .

وقيل : أو يتوب معطوف على الأمر .

وقيل : على شيء .

أي : ليس لك من الأمر ، أو من توبتهم ، أو تعذيبهم شيء .

أو ليس لك من الأمر شيء أو توبتهم .

والظاهر من هذه التخاريج الأربعة هو الأول .

وأبعد من ذهب إلى أن قوله : ليس لك من الأمر ، أي أمر الطائفتين اللتين همتا أن تفشلا .

وقال ابن بحر : من الأمر أي ، من هذا النصر ، وإنما هو من الله كما قال : { وما رميت إذ رميت } وقيل : المراد بالأمر أمر القتال .

والظاهر الحمل على العموم ، والأمور كلها لله تعالى .

وقرأ أبي : أو يتوب عليهم أو يعذبهم برفعهما على معنى : أو هو يتوب عليهم ، ثم نبه على العلة المقتضية للتعذيب بقوله : فإنهم ظالمون ، وأتى بأنْ الدالة على التأكيد في نسبة الظلم إليهم .

/خ132