البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

لما ذكر دلائل الآفاق ، ذكر شيئاً من دلائل الأنفس ، وجعل الخلق من ضعف ، لكثرة ضعف الإنسان أول نشأته وطفوليته ، كقوله : { خلق الإنسان من عجل } والقوة التي تلت الضعف ، هي رعرعته ونماؤه وقوته إلى فصل الاكتهال .

والضعف الذي بعد القوة هو حال الشيخوخة والهرم .

وقيل : { من ضعف } : من النطفة ، كقوله : { من ماء مهين } والترداد في هذه الهيئات شاهد بقدرة الصانع وعلمه .

وقرأ الجمهور : بضم الضاد في ضعف معاً ؛ وعاصم وحمزة : بفتحها فيهما ، وهي قراءة عبد الله وأبي رجاء .

وروي عن أبي عبد الرحمن والجحدري والضحاك : الضم والفتح في الثاني .

وقرأ عيسى : بضمتين فيهما .

والظاهر أن الضعف والقوة هما بالنسبة إلى ما عدا البدن من ذلك ، وإن الضم والفتح بمعنى واحد في ضعف .

وقال كثير من اللغويين : الضم في البدن ، والفتح في العقل .