البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ طَـٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (19)

{ قالوا طائركم معكم } : أي حظكم وما صار لكم من خير أو شر معكم ، أي من أفعالكم ، ليس هو من أجلنا بل بكفركم .

وقرأ الحسن ، وابن هرمز ، وعمرو بن عبيد ، وزر بن حبيش : طيركم بياء ساكنة الطاء .

وقرأ الحسن فيما نقل : اطيركم مصدر اطير الذي أصله تطير ، فأدغمت التاء في الطاء ، فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر .

وقرأ الجمهور : طائركم على وزن فاعل .

وقرأ الجمهور : { أئن ذكرتم } بهمزتين ، الأولى همزة الاستفهام ، والثانية همزة إن الشرطية ، فخففها الكوفيون وابن عامر ، وسهلها باقي السبعة .

وقرأ زر : بهمزتين مفتوحتين ، وهي قراءة أبي جعفر وطلحة ، إلا أنها البناء الثانية بين بين .

وقال الشاعر في تحقيقها :

أإن كنت داود بن أحوى مرحلاً *** فلست بداع لابن عمك محرماً

والماجشوني ، وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبدالله بن أبي سلمة المدني : بهمزة واحدة مفتوحة ؛ والحسن : بهاء مكسورة ؛ وأبو عمرو في رواية ، وزر أيضاً : بمدة قبل الهمزة المفتوحة ، استثقل اجتماعهما ففضل بينهما بألف .

وقرأ أبو جعفر أيضاً ، والحسن أيضاً ، وقتادة ، وعيس الهمداني ، والأعمش : أين بهمزة مفتوحة وياء ساكنة ، وفتح النون ظرف مكان .

وروي هذا عن عيسى الثقفي أيضاً .

فالقراءة الأولى على معنى : إن ذكرتم تتطيرون ، بجعل المحذوف مصب الاستفهام ، على مذهب سيبويه ، بجعله للشرط ، على مذهب يونس ؛ فإن قدرته مضارعاً كان مجزوماً .

والقراءة الثانية على معنى : ألان ذكرتم تطيرتم ، فإن مفعول من أجله ، وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة ؛ وقراءة الهمزة المكسورة وحدها ، فحرف شرط بمعنى الإخبار ، أي إن ذكرتم تطيرتم .

والقراءة الثانية الأخيرة أين فيها ظرف أداة الشرط ، حذف جزاؤه للدلالة عليه وتقديره : أين ذكرتم صحبكم طائركم ، ويدل عليه قوله : { طائركم معكم } .

ومن جوز تقديم الجزاء على الشرط ، وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد ، يجوز أن يكون الجواب { طائركم معكم } ، وكان أصله : أين ذكرتم فطائركم معكم ، فلما قدم حذفت الفاء .

وقرأ الجمهور : ذكرتم ، بتشديد الكاف ؛ وأبو جعفر ، وخالد بن الياس ، وطلحة ، والحسن ، وقتادة .

وأبو حيوة ، والأعمش من طريق زائدة ، والأصمعي عن نافع : بتخفيفها .

{ بل أنتم قوم مسرفون } : مجاوزون الحد في ضلالكم ، فمن ثم أتاكم الشؤم .