البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ هَٰذَآ أَخِي لَهُۥ تِسۡعٞ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةٗ وَلِيَ نَعۡجَةٞ وَٰحِدَةٞ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلۡخِطَابِ} (23)

التسع : رتبة من العدد معروفة ، وكسر التاء أشهر من الفتح .

النعجة : الأنثى من بقر الوحش ومن الضأن ، ويكنى بها عن المرأة .

قال الشاعر :

هما نعجتان من نعاج تبالة *** لذي جؤذرين أو كبعض لدى هكر

وقال ابن عون :

أنا أبوهن ثلاث هنه *** رابعة في البيت صغراهنه

ونعجتي خمساً توفيهنه *** إلا فتى سجح يغذيهنه

عزة : غلبه ، يعزه عزاً ؛ وفي المثل : من عزَّبزَّ ، أي من غلب سلب .

وقال الشاعر :

قطاة عزها شرك فباتت *** تجاذبه وقد علق الجناح

{ إن هذا أخي } : هو قول المدعي منهما ، وأخي عطف بيان عند ابن عطية ، وبدل أو خبر لأن عند الزمخشري .

والأخوّة هنا مستعارة ، إذ هما ملكان ، لكنهما لما ظهرا في صورة انسانين تكلما بالأخوّة ، ومجازها أنها إخوة في الدين والإيمان ، أو على معنى الصحبة والمرافقة ، أو على معنى الشركة والخلطة لقوله : { وإن كثيراً من الخلطاء } ، وكل واحدة من هذه الأخوات تقتضي منع الاعتداء ، ويندب إلى العدل .

وقرأ الجمهور : { تسع وتسعون } ، بكسر التاء فيهما .

وقرأ الحسن ، وزيد بن علي : بفتحها .

وقرأ الجمهور : { نعجة } ، بفتح النون ؛ والحسن ، وابن هرمز : بكسر النون ، وهي لغة لبعض بني تميم .

قيل : وكنى بالنعجة عن الزوجة .

{ فقال أكفلنيها } : أي ردها في كفالتي .

وقال ابن كيسان : اجعلها كفلي ، أي نصيبي .

وقال ابن عباس : أعطنيها ؛ وعنه ، وعن ابن مسعود : تحول لي عنها ؛ وعن أبي العالية : ضمها إلي حتى أكفلها .

{ وعزني في الخطاب } ، قال الضحاك : إن تكلم كان أفصح مني ، وإن حارب كان أبطش مني .

وقال ابن عطية : كان أوجه مني وأقوى ، فإذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي ، وقوته أعظم من قوتي .

وقال الزمخشري : جاءني محجاج لم أقدر أن أورد عليه ما أرده به .

وأراد بالخطاب : مخاطبة المحاج المجادل ، أو أراد خطيب المرأة ، وخطبها هو فخاطبني خطاباً : أي غالبني في الخطبة ، فغلبني حيث زوجها دوني ؛ وقيل : غلبني بسلطانه ، لأنه لما سأله لم يستطع خلافه .

قال الحافظ أبو بكر بن العربي : كان ببلادنا أمير يقال له سيري بن أبي بكر ، فكلمته في أن يسأل لي رجلاً حاجة ، فقال لي : أما علمت أن طلب السلطان للحاجة غضب لها ؟ فقلت : أما إذا كان عدلاً فلا .

وقرأ أبو حيوة ، وطلحة : وعزني ، بتخفيف الزاي .

قال أبو الفتح : حذف الزاي الواحدة تخفيفاً ، كما قال أبو زبيد :

أحسن به فهز إليه شوس *** وروي كذلك عن عاصم .

وقرأ عبيد الله ، وأبو وائل ، ومسروق ، والضحاك ، والحسن ، وعبيد بن عمير : وعازني ، بألف وتشديد الزاي : أي وغالبني .

والظاهر إبقاء لفظ النعجة على حقيقتها من كونها أنثى الضأن ، ولا يكنى بها عن المرأة ، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك لأن ذلك الإخبار كان صادراً من الملائكة ، على سبيل التصوير للمسئلة والفرض لها مرة غير تلبس بشيء منها ، فمثلوا بقصة رجل له نعجة ، ولخليطه تسع وتسعون ، فأراد صاحبه تتمة المائة ، فطمع في نعجة خليطة ، وأراد انتزاعها منه ؛ وحاجه في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده ، ويدل على ذلك قوله : { وإن كثيراً من الخلطاء } ، وهذا التصوير والتمثيل أبلغ في المقصود وأدل على المراد .