البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ} (22)

الشطط : مجاوزة الحد وتخطي الحق .

وقال أبو عبيدة : شططت على فلان وأشططت : جرت في الحكم .

وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين ، فطلبا أن يدخلا عليه ، فوجداه في يوم عبادته ، فمنعهما ، فتسورا عليه المحراب ، فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان .

قال ابن عباس : جزأ زمانه أربعة أجزاء : يوماً للعبادة ، ويوماً للقضاء ، ويوماً للاشتغال بخواص أموره ، ويوماً لجميع بني إسرائيل ، فيعظهم ويبكيهم .

فجاءوه في غير القضاء ، ففزع منهم لأنهم نزلوا عليه من فوق ، وفي يوم الاحتجاب ، والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه ، فخاف أن يؤذوه .

وقيل : كان ذلك ليلاً ، ويحتمل أن يكون فزعه من أجل أن أهل ملكته قد استهانوه حتى ترك بعضهم الاستئذان ، فيكون فزعه على فساد السيرة ، لا من الداخلين .

وقال أبو الأحوص : فزع منهم لأنهما دخلا عليه ، وكل منهما آخذ برأس صاحبه .

وقيل : فزع منهم لما رأى من تسورهم على موضع مرتفع جداً لا يمكن أن يرتقي إليه بعد أشهر مع أعوان وكثرة عدد .

وقيل : إنهما قالا : لم نتوصل إليك إلا بالتسور لمنع الحجاب ، وخفنا تفاقم الأمر بيننا ، فقبل داود عذرهم .

ولما أدركوا منه الفزع قالوا : { لا تخف } ، أي لسنا ممن جاء إلا لأجل التحاكم .

{ خصمان } : يحتمل أن يكون هذا موصولاً بقولهما : { لاتخف } ، بادر بإخبار ما جاءا إليه .

ويحتمل أن يكون سألهم : ما أمركم ؟ فقالوا : خصمان ، أي نحن خصمان .

{ بغى } : أي جار ، { بعضنا على بعض } ، كما قال الشاعر :

ولكن الفتى حمل بن بدر *** بغى والبغي مرتعه وخيم

وقرأ أبو يزيد الجراد ، عن الكسائي : خصمان ، بكسر الخاء ؛ وفي أمرهم له ونهيهم ببعض فظاظة على الحكام ، حمل على ذلك ما هم فيه من التخاصم والتشاجر ، واستدعوا عدله من غير ارتياب في أنه يحكم بالعدل .

وقرأ الجمهور : { ولا تشطط } ، مفكوكاً من أشط رباعياً ؛ وأبو رجاء ، وابن أبي عبلة ، وقتادة ، والحسن ، وأبو حيوة : تشطط ، من شط ثلاثياً .

وقرأ قتادة أيضاً : تشط ، مدغماً من أشط .

وقرأ زر : تشاطط ، بضم التاء وبالألف على وزن تفاعل ، مفكوكاً .

وعن قتادة أيضاً : تشطط من شطط ، { سواء الصراط } : وسط طريق الحق ، لا ميل فيه من هنا ولا هنا .