البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (134)

{ من كان يريد ثواب الدّنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } قال ابن عطية ، أي من كان لا رغبة له إلا في ثواب الدنيا ولا يعتقد أنّ ثمّ سواه فليس كما ظن ، بل عند الله ثواب الدّارين .

فمن قصد الآخرة أعطاه من ثواب الدنيا وأعطاه قصده ، ومن قصد الدنيا فقط أعطاه من الدنيا ما قدر له ، وكان له في الآخرة العذاب .

وقال الماتريدي : يحتمل أن يكون المعنى من عبد الأصنام طلباً للعز لا يحصل له ذلك ، ولكن عند الله عز الدنيا والآخرة ، أو للتقريب والشفاعة أي : ليس له ذلك ، ولكن اعبدوا الله فعنده ثواب الدنيا والآخرة ، لا عند من تطلبون .

ويحتمل أن تكون في أهل النفاق الذين يراؤون بأعمالهم الصالحة في الدنيا لثواب الدنيا لا غير .

ومن يحتمل أن تكون موصولة والظاهر أنها شرط وجوابه الجملة المقرونة بفاء الجواب : ولا بد في الجملة الواقعة جواباً لاسم الشرط غير الظرف من ضمير عائد على اسم الشرط حتى يتعلق الجزاء بالشرط ، والتقدير : ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده ، هكذا قدّره الزمخشري وغيره .

والذي يظهر أنّ جواب الشرط محذوف لدلالة المعنى عليه ، والتقدير : من كان يريد ثواب الدنيا فلا يقتصر عليه ، وليطلب الثوابين ، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة .

وقال الراغب : فعند الله ثواب الدنيا والآخرة تبكيت للإنسان حيث اقتصر على أحد السؤالين مع كون المسؤول مالكاً للثوابين ، وحث على أن يطلب منه تعالى ما هو أكمل وأفضل من مطلوبه ، فمن طلب خسيساً مع أنه يمكنه أن يطلب نفيساً فهو دنيء الهمة .

قيل : والآية وعيد للمنافقين لا يريدون بالجهاد غير الغنيمة .

وقيل : هي حض على الجهاد .

{ وكان الله سميعاً بصيراً } أي سميعاً لأقوالهم ، بصيراً بأعمالهم ونياتهم .

/خ141