لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (115)

قوله تعالى : { وتمت كلمة ربك } وقرئ كلمات ربك على الجمع فمن قرأ على التوحيد قال : الكلمة قد يراد بها الكلمات الكثيرة إذا كانت مضبوطة بضابط واحد كقولهم قال الشاعر في كلمته يعني في قصيدته ، وكذلك القرآن كلمة واحدة لأنه شيء واحد في إعجاز النظم وكونه حقاً وصدقاً ومعجزاً ومن قرأ بالجمع قال لأن الله قال في سياق الآية { لا مبدل لكلماته } فوجب الجمع في اللفظ الأول إتباعاً للثاني { صدقاً وعدلاً } يعني صدقاً فيما وعد وعدلاً فيما حكم وقيل إن القرآن مشتمل على الأخبار والأحكام فهو صادق فيما أخبر عن القرون الماضية والأمم الخالية وعما هو كائن إلى قيام الساعة . وفيما أخبر عن ثواب المطيع في الجنة وعقاب العاصي في النار وهو عدل فيما حكم من الأمر والنهي والحلال والحرام وسائر الأحكام { لا مبدل لكلماته } يعني لا مغير لقضائه ولا رادّ لحكمه ولا خلف لمواعيده ، وقيل : لما وصف كلماته بالتمام في قوله وتمت كلمة ربك والتمام في كلام الله لا يقبل النقص والتغيير والتبديل . قال الله تعالى : { لا مبدل لكلماته } لأنها مصونة عن التحريف والتغيير والتبديل باقية إلى يوم القيامة وفي قوله : { لا مبدل لكلماته } دليل على أن السعيد لا ينقلب شقياً ولا الشقي ينقلب سعيداً ، فالسعيد من سعدَ في الأزل والشقي من شقيّ في الأزل وأورد على هذا أن الكافر يكون شقياً بكفره فيسلم فينقلب سعيداً بإسلامه وأجيب عنه بأن الاعتبار بالخاتمة فمن ختم له بالسعادة كان قد كتب سعيداً في الأزل ومن ختم له بالشقاوة كان شقياً في الأزل والله أعلم . وقوله تعالى : { وهو السميع } يعني لما يقول العباد { العليم } بأحوالهم .