غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (115)

111

ثم لما بين أن القرآن معجز قال : { وتمت كلمة ربك } أي القرآن . وقوله : { صدقاً وعدلاً } مصدران منتصبان على الحال من الكلمة ، ومعنى تمامها أنها وافية كافية في كونها معجزة دالة على صدق محمد ، أو كافية في بيان ما يحتاج المكلفون إليه إلى القيامة علماً وعملاً ، أو المراد بالتمام أنها أزلية ولا يحدث بعد ذلك شيء . واعلم أن كل ما حصل في القرآن نوعان : الخبر والتكليف ؛ فالخبر كل ما أخبر الله تعالى عن وجوده أو عن عدمه كالخبر عن وجود ذاته وحصول صفاته أعني كونه تعالى قادراً سميعاً بصيراً ويدخل فيه الخبر عن صفات التقديس والتنزيه كقوله تعالى : { لم يلد ولم يولد } [ الإخلاص : 3 ] { لا تأخذه سنة ولا نوم } [ البقرة : 255 ] ويدخل فيه الخبر عن أقسام أفعال الله تعالى وكيفية تدبيره لملكوته في السموات والأرض وفي عالم الأرواح والأجسام ، ويدخل فيه الخبر عن أحكام الله تعالى في الوعد والوعيد والثواب والعقاب ، ويدخل فيه الخبر عن أقسام أسماء الله تعالى والخبر عن النبوات عن النبوات وأقسام المعجزات ، والخبر عن أحوال النشر والقيامة وصفات أهل الجنة والنار . والخبر عن أحوال المتقدمين والخبر عن المغيبات . وأما التكليف فيدخل فيه كل أمر ونهي توجه منه سبحانه على عبيده سواء كان ملكاً أو بشراً أو شيطاناً ، وسواء كان ذلك في شرعنا أو في شرائع الأنبياء المتقدمين أو في مراسيم الملائكة المقربين الذين هم سكان السموات والجنة والنار والعرش وما وراءه مما لا يعلم أحوالهم إلا الله تعالى . فإذن المراد وتمت كلمات ربك صدقاً إن كان من باب الخبر وعدلاً إن كان من باب التكاليف وهذا ضبط حسن . وقيل : إن كل ما أخبر الله تعالى عنه من وعد ووعيد وثواب وعقاب فهو صدق لأنه لا بد أن يكون واقعاً ، وهو بعد وقوعه عدل لأن أفعاله منزهة عن أن تكون بصفة الظلم . ثم قال : { لا مبدل لكلماته } والمعنى أن هؤلاء الكفار يلقون الشبه في كون القرآن دالاً على صدق محمد إلا أن تلك الشبهات لا تأثير لها في هذه الدلالة البتة لجلاء الدلالة ووضوحها . أو المراد أن كلماته تبقى موصوفة بصفتها مصونة عن التحريف والتغيير كما قال : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [ الحجر : 9 ] أو الغرض أنها بريئة عن التناقض كما قال :

{ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } [ النساء : 82 ] أو المعنى أن أحكام الله تعالى لا تتغير ولا تتبدل لأنها أزلية والأزلي لا يزول ، وهذا الوجه أحد الأصول القوية في إثبات الجبر إذ يلزم منه أن لا ينقلب السعيد شقياً وبالضد .

/خ121