البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَـٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (86)

{ وإذآ أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطَّول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون } الجمهور على أنّ السورة هنا كل سورة كان فيها الأمر بالإيمان والجهاد .

وقيل : براءة لأنّ فيها الأمر بهما .

وقيل : بعض سورة ، فأطلق عليه سورة ، كما يطلق على بعض القرآن قرآن وكتاب .

وهذه الآية وإن تقدم أنهم كانوا استأذنوا الرسول في القعود ، فيها تنبيه على أنهم كانوا متى تنزل سورة فيها الأمر بالإيمان والجهاد استأذنوا ، وليست هنا إذاً تفيد التعليق فقط ، بل انجرَّ معها معنى التكرار سواء كان ذلك فيها بحكم الوضع أنه بحكم غالب الاستعمال ، لا الوضع .

وهي مسألة خلاف في النحو ، ومما وجد معها التكرار قول الشاعر :

إذا وجدت أوار النار في كبدي *** أقبلت نحو سقاء القوم أبترد

ألا ترى أنّ المعنى متى وجدت وإن آمنوا يحتمل أنْ أنْ تكون تفسيرية ، لأن قبلها شرط ذلك ؟ ويحتمل أن تكون مصدرية أي : بأن آمنوا أي : بالإيمان .

والظاهر أنّ الخطاب للمنافقين أي : آمنوا بقلوبكم كما آمنتم بألسنتكم .

قيل : ويحتمل أن يكون خطاباً للمؤمنين ومعناه : الاستدامة والطول .

قال ابن عباس والحسن : الغنى .

وقيل : القوة والقدرة .

وقال الأصم : أولوا الطول الكبراء والرؤساء .

وأولو الأمر منهم أي : من المنافقين كعبد الله بن أبي ، والجد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، وأضرابهم .

وأخص أولوا الطول لأنهم القادرون على التنفير والجهاد ، ومن لا مال له ، ولا قدرة لا يحتاج إلى الاستئذان ، والاستئذان مع القدرة على الحركة أقبح وأفحش .

والمعنى : استأذنك أولوا الطول منهم في القعود ، وفي استأذنك التفات ، إذ هو خروج من لفظ الغيبة وهو قوله : ورسوله ، إلى ضمير الخطاب .

وقالوا : ذرنا نكن مع القاعدين الزمني وأهل العذر ، ومن ترك لحراسة المدينة ، لأن ذلك عذر .