البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} (92)

{ ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم } ، معطوف على ما قبله ، وهم مندرجون في قوله : ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ، وذكروا على سبيل نفي الحرج عنهم ، وأنهم بالغوا في تحصيل ما يخرجون به إلى الجهاد حتى أفضى بهم الحال إلى المسألة ، والحاجة لبذل ماء وجوههم في طلب ما يحملهم إلى الجهاد ، والاستعانة به حتى يجاهدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يفوتهم أجر الجهاد .

ويحتمل أنْ لا يندرجوا في قوله : ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ، بأن يكون هؤلاء هم الذين وجدوا ما ينفقون ، إلا أنهم لم يجدوا المركوب ، وتكون النفقة عبارة عن الزاد لا عبارة عما يحتاج إليه المجاهد من زاد ومركوب وسلاح وغير ذلك مما يحتاج إليه .

وهذه نزلت في العرباض بن سارية .

وقيل : في عبد الله بن مغفل .

وقيل : في عائذ بن عمرو .

وقيل : في أبي موسى الأشعري ورهطه .

وقيل : في تسعة نفر من بطون شتى فهم البكاؤون وهم : سالم بن عمير من بني عمرو من بني عوف ، وحرمي بن عمرو من بني واقف ، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب من بني مازن بن النجار ، وسلمان بن صخر من بني المعلى وأبو رعيلة عبد الرحمن بن زيد بن بني حارثة ، وعمرو بن غنمة من بني سلمة ، وعائذ بن عمرو المزني .

وقيل : عبد الله بن عمرو المزني .

وقال مجاهد : البكاؤون هم بنو بكر من مزينة .

وقال الجمهور : نزلت في بني مقرن ، وكانوا ستة إخوة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس في الصحابة ستة إخوة غيرهم .

ومعنى لتحملهم أي : على ظهر مركب ، ويحمل عليه أثاب المجاهد .

قال معناه : ابن عباس .

وقال أنس بن مالك : لتحملهم بالزاد .

وقال الحسن بن صالح : بالبغال .

وروي أنّ سبعة من قبائل شتى قالوا : يا رسول الله قد ندبتنا إلى الخروج معك ، فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة نغزُ معك فقال : { لا أجد ما أحملكم عليه } فتولوا وهم يبكون .

وقرأ معقل بن هارون : لنحملهم بنون الجماعة ، وإذا تقتضي جواباً .

والأولى أن يكون ما يقرب منها وهو قلب ، ويكون قوله : تولوا جواباً لسؤال مقدر كأنه قيل : فما كان حالهم إذ أجابهم الرسول ؟ قيل : تولوا وأعينهم تفيض .

وقيل : جواب إذا تولوا ، وقلب جملة في موضع الحال من الكاف ، أي : إذا ما أتوك قائلاً لا أجد ، وقد قبله مقدر كما قيل في قوله : حصرت صدورهم قاله الزمخشري .

أو على حذف حرف العطف أي : وقلت ، قاله الجرجاني وقاله ابن عطية وقدره : فقلت بالفاء وأعينهم تفيض جملة حالية .

قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فهل يجوز أن يكون قوله : قلت لا أجد استئنافاً مثله يعني : مثل رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ؟ كأنه قيل : إذا ما أتوك لتحملهم تولوا ، فقيل : ما لهم تولوا باكين ؟ قلت : لا أجد ما أحملهم عليه ، إلا أنه وسط بين الشرط والجزاء كالاعتراض ( قلت ) : نعم ، ويحسن انتهى .

ولا يجوز ولا يحسن في كلام العرب ، فكيف في كلام الله وهو فهم أعجمي ؟ وتقدم الكلام على نحو وأعينهم تفيض من الدمع في أوائل حزب { لتجدن } من سورة المائدة .

وقال الزمخشري : هنا وأعينهم تفيض من الدمع كقولك : تفيض دمعاً ، وهو أبلغ من يفيض دمعها ، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض .

ومن للبيان كقولك : أفديك من رجل ، ومحل الجار والمجرور النصب على التمييز انتهى .

ولا يجوز ذلك لأنّ التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بمن ، وأيضاً فإنه معرفة ، ولا يجوز إلا على رأي الكوفيين الذين يجيزون مجيء التمييز معرفة .

وانتصب حزناً على المفعول له ، والعامل فيه تفيض .

وقال أبو البقاء : أو مصدر في موضع الحال .

وأن لا يجدوا مفعول له أيضاً ، والناصب له حزناً ، قال أبو البقاء : ويجوز أن يتعلق بتفيض انتهى .

ولا يجوز ذلك على إعرابه حزناً مفعولاً له والعامل فيه تفيض ، لأن العامل لا يقض اثنين من المفعول له إلا بالعطف أو البدل .

وقوله : أن لا يجدوا ما ينفقون فيه دلالة على أنهم مندرجون تحت قوله : ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج .