{ وهو الذي كف أيديهم عنكم } : حيث جاء ثمانون من المشركين يريدون رسول الله والمؤمنين ليصيبوهم بسوء .
{ وأيديكم عنهم ببطن مكة } : فأخذهم أصحاب رسول الله أسرى وأتوا بهم إلى رسول فعفا عنهم .
{ من بعد أظفركم عليهم } : وذلك بالحديبية التي هي بطن مكة .
وقوله تعالى في الآية الأخيرة من هذا السياق ( 24 ) { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا } هذه منّة أخرى وكرامة عظيمة وهي أن قريشا بعثت بثمانين شابا إلى معسكر رسول الله في الحديبية لعلهم يصيبون غرة من الرسول وأصحابه فينالونهم بسوء فأوقعهم تعالى أسرى في أيدي المسلمين فمّن الرسول صلى الله عليه وسلم بالعفو فكان سبب صلح الحديبية . وقوله { وكان الله بما تعملون بصيرا } أي مطلعا عالما بكل ما يجري بينكم فهو معكم لولايته لكم .
- كرامة الله للمؤمنين إذ حمى ظهورهم من خلفهم مرتين الأولى ما همَّ به اليهود من غارة على عائلات وأسر الصحابة بالمدينة النبويّة ، والثانية ما همَّ به رجال من المشركين للفتك بالمؤمنين ليلا بالحديبية إذ مكَّن الله منهم رسوله والمؤمنين ، ثم عفا عنهم رسول الله واطلق سراحهم فكان ذلك مساعدا قويا على تحقيق صلح الحديبية .
- بيان سنة الله في أنه ما تقاتل أولياء الله مع أعدائه في معركة إلا نصر الله أولياءه على أعدائه .
قوله : { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم } يمتن الله على المؤمنين ، إذ كف أيدي الأعداء المشركين عنهم فلم يصبهم منهم سوء . وكذلك كف الله أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام بل حفظ الله كلا من الفريقين وأوجد بينهم صلحا كان فيه الخير والمصلحة للمسلمين .
قال ابن جرير الطبري في تأويل الآية : يعني أن الله كف أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية يلتمسون غرتهم ليصيبوا منهم ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بهم أسرى فخلى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنّ عليهم ولم يقتلهم .
وفي كف المشركين عن المسلمين ودفع أذاهم عنهم روى الإمام أحمد بإسناده عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة بالسلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة{[4265]} رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأخذوا ، فعفا عنهم ، ونزلت هذه الآية .
وروى أحمد عن عبد الله بن مغفل المدني ( رضي الله عنهما ) قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وسهيل بن عمرو بين يديه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي ( رضي الله عنه ) : " اكتب بسم الله الرحمان الرحيم " فأخذ سهل بيده . وقال : ما نعرف الرحمان الرحيم . اكتب في قضيتنا ما نعرف . فقال : " اكتب باسمك اللهم " . وكتب : " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة " . فأمسك سهيل بن عمرو بيده وقال : لقد ظلمناك إن كنت رسوله ، اكتب في قضيتنا ما نعرف . فقال : " اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله " . فبينا نحن كذلك ، إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله تعالى بأسماعهم فقمنا إليهم فأخذناهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل جئتم في عهد أحد ؟ أو هل جعل لكم أحد أمانا ؟ " فقالوا : لا ، فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى الآية .
قوله : { وكان الله بما تعملون بصيرا } الله عليم بأعمال العباد ، لا يخفى عليه منها شيء{[4266]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.