البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

ظفر بالشيء : غلب عليه ، وأظفره : غلبه .

{ وهو الذي كف أيديهم } : أي قضى بينكم المكافة والمحاجزة ، بعدما خولكم الظفر عليهم والغلبة .

" وروي في سببها أن قريشاً جمعت جماعة من فتيانها ، وجعلوهم مع عكرمة بن أبي جهل ، وخرجوا يطلبون غرة في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فلما أحس بهم المسلمون ، بعث عليه الصلاة والسلام خالد بن الوليد ، وسماه حينئذ سيف الله ، في جملة من الناس ، ففروا أمامهم حتى أدخلوهم بيوت مكة ، وأسروا منهم جملة ، وسيقوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمنّ عليهم وأطلقهم .

وقال قتادة : كان ذلك بالحديبية عند معسكره ، وهو ببطن مكة .

وعن أنس : هبط ثمانون رجلاً من أهل مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم مسلحين يريدون غرته ، فأخذناهم فاستحياهم .

وفي حديث عبد الله بن معقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم ، فأخذ الله أبصارهم ، فقال لهم : «هل جئتم في عهد ؟ وهل جعل لكم أحد أماناً » ؟ قالوا : اللهم لا ، فخلي سبيلهم "

وقال الزمخشري كان يعني هذا الكف يوم الفتح ، وبه استشهد أبو حنيفة ، على أن مكة فتحت عنوة لا صلحاً .

وقيل : كان ذلك في غزوة الحديبية ، لما روي أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من هزمه وأدخله حيطان مكة .

وعن ابن عباس : أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت . انتهى .

وقرأ الجمهور : بما تعملون ، على الخطاب ؛ وأبو عمرو : بالياء ، وهو تهديد للكفار .