الآية 24 وقوله تعالى : { وهو الذي كفّ أيديهم عنكم } مع كثرة أولئك وقوتهم وتأهّبهم للقتال وضعف هؤلاء وقلة عددهم ، لأن أولئك كانوا خرجوا للقتال والحرب مستعدّين لذلك متأهّبين ، وهؤلاء كانوا خرجوا لقضاء المناسك وزيارة البيت ، فكفّ أيدي أولئك مع عدّتهم وقوتهم وكثرتهم عن هؤلاء مع ضعفهم وقلّة عددهم حتى أظفرهم بأولئك بما ذُكر في القصة أن المسلمين كانوا اشتغلوا بالتّرامي بالنَّبل والحجارة حتى هزموهم ، وأدخلوهم بطن مكة على ما ذكر ، ثم أظفرهم بهم ، وكفّ أيدي هؤلاء عنهم ، وأتمّ{[19578]} لهم الظّفر بهم ليعلم هؤلاء أن التدبير في الأمر إلى الله تعالى دونهم ، وله السلطان على الخلق جميعا ، لا سلطان لأحد في سلطانه ، ولا قوة إلا بالله .
وأما ما ذكر من الامتنان فهو ما ذكر من كفّ أيدي أولئك عن هؤلاء عند شدة خوفهم منهم وفزعهم بما ذكرنا من قوة أولئك وكثرتهم وضعف هؤلاء وقلة عددهم حتى أظفرهم ؛ يذكر مِنّته عليهم ليستأدي [ بذلك ]{[19579]} شكره ، ويكفّ أيدي هؤلاء عنهم .
فإن قيل : ما كفّ أيدي أولئك عن هؤلاء منّة ظاهرة ، ولكن آية منِّه تكون في كفّ أيدي المؤمنين عن أولئك الكفرة ، فيقال : جائز أن يكون المنّ في كفّ أيدي المؤمنين عن أولئك الكفرة ليستأدي منهم شكره بذلك ، وهو الإسلام ، ولله تعالى على جميع خلقه منّة ليستأدي منهم شكرا على الكافرين والمسلمين جميعا .
ويحتمل أن تكون المنّة في كفّ أيدي المؤمنين عن أولئك على المؤمنين أيضا هي{[19580]} ما ذكر على إثره : { ولولا رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلَمُوهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرّة بغير علم } إنه لو لم يكفّ أيدي المؤمنين عنهم حتى يتم لهم الظّفر بهم ، فدخلوا مكة ، وهنالك مؤمنون ، لأصابهم ما ذكر من المعرّة وغيره ، فكان في كفّ أيدي المؤمنين عن أولئك منّة عظيمة عليهم لما بيّنا من قبل [ من إصابة ]{[19581]} من فيها من المؤمنين من غير علم منهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ببطن مكة } وهم لم يكونوا في بطن مكة ، إنما كانوا بالحديبيّة ، وبينها وبين مكة أميال ، لكن يخرّج على وجهين :
أحدهما : أظفرهم بهم ، وقهرهم ، وهزمهم ، حتى أدخلهم بطن مكة على ما ذُكر أنهم هزموهم حتى أدخلوهم في بيوتات مكة .
والثاني : { ببطن مكة } أي بقرب مكة . وجائز أن يُكنّيَ { ببطن مكة } أي بقربها .
وقال بعضهم : { ببطن مكة } أي الحَرَم ؛ والحرم{[19582]} كله مكة ، والوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وكان الله بما تعملون بصيرا } لم يزل الله تعالى عالما بأعمالهم بصيرا .
وفيه دلالة خلق أفعالهم لأنه ذكر أنه كفّ أيدي هؤلاء عن أولئك وأيدي أولئك عن هؤلاء ، ثم قال : { وكان الله [ بما تعملون بصيرا } ]{[19583]} ليُعلِم أن له في فعلهم صنعا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.