الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ } وهو الحديبية { مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } ( الياء ) أبو عمرو ، وغيره ( بالتاء ) ، واختلفوا فيهم ، فقال أنس : إنّ ثمانين رجلاً من أهل مكّة هبطوا على رسول الله وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم ، فأخذهم رسول الله سلماً ، وأعتقهم ، فأنزل الله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } . . . الآية . عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : إنّ قريشاً كانوا بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله عام الحديبية ليصيبوا من أصحابه أحداً ، وأُخذوا أخذاً ، فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم ، وخلّى سبيلهم ، وقد كانوا يرمون عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة ، والنّبل فأنزل الله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } . . . الآية .

وقال عبد الله بن المغفل : كنّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة وعلى ظهره غصنٌ من أغصان تلك الشجرة ، فرفعته عن ظهره ، وعليّ بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصُلح ، وسهيل بن عمرو ، فخرج علينا ثلاثون شابّاً عليهم السّلاح ، فثاروا في وجوهنا ، فدعا رسول الله ( عليه السلام ) ، فأخذ الله بأبصارهم ، فقمنا إليهم ، فأخذناهم ، فخلّى عنهم رسول الله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

وقال مجاهد : أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم معتمراً ، وأخذ أصحابه ناساً من أهل الحرم غافلين ، فأرسلهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فذلك الإظفار ببطن مكّة ، " وقال قتادة : ذُكر لنا أنَّ رجلاً من أصحاب رسول الله يقال له : زنيم اطّلع الثنية من الحديبيّة ، فرماه المشركون بسهم ، فقتلوه ، فبعث رسول الله خيلاً ، فأتوا باثني عشر فارساً من الكفّار ، فقال لهم نبيّ الله : " هل لكم عليَّ عهد ؟ هل لكم عليَّ ذمّة ؟ " . قالوا : لا ، فأرسلهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية " .

وقال ابن ايزي ، والكلبي : هم أهل الحديبية ، وذلك " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا خرج بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة ، فقال له عمر رضي الله عنه : يا نبي الله تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ، ولا كراع ؟ قال : فبعث إلى المدينة ، فلم يدع فيها كراعاً ولا سلاحاً إلاّ حمله ، فلمّا دنا من مكّة منعوه أن يدخل ، فسار حتّى أتى منى ، فنزل منى ، فأتاه عينه أنّ عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة ، فقال لخالد بن الوليد : " يا خالد هذا ابن عمّك قد أتاك في الخيل " .

فقال خالد : أنا سيف الله ، وسيف رسوله ، يا رسول الله ، أرمِ بي حيث شئت ، فيومئذ سمّي سيف الله ، فبعثه على خيل ، فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة ، ثمّ عادوا في الثانية ، فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة ، ثمّ عاد في الثالثة فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } إلى قوله : { عَذَاباً أَلِيماً } فكفّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها من بعد أن أظفره عليهم كراهية ، أن تطأهم الخيل بغير علم " وذلك قوله تعالى : { هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْىَ مَعْكُوفاً }