اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

قوله تعالى : { وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } وهذا تبيين لما تقدم من قوله : { وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الذين كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ الأدبار } [ الفتح : 22 ] بتقدير الله ، كما أنه كف أيهديهم عنكم بالفرار ، وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم .

روى ثابتٌ عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ){[51778]} أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هُبَطُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم{[51779]} متسلحين يريدون غِرَّةَ{[51780]} النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخذهم سلْماً فاستحياهم{[51781]} فأنزل الله : { وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } .

قال عبد الله بن مُغَفَّل المُزَنيّ : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله تعالى «في القرآن » ، وعلى ظهره غُصْنٌ من أغصان الشجرة فرفعته عن ظهرهِ ، وعلي بن أبي طالب ( رضي الله عنه{[51782]} ) بين يديه يكتب كتاب الصلح فخرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح فنادَوْا في وجوهنا فدعى عليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جئتم في عهد ( أحد{[51783]} ) أو هل جَعَلَ{[51784]} لكم أحد أمناً ؟ قالوا : اللَّهم لا فَخَلَّى سبيلهم . فأنزل الله هذه الآية{[51785]} .

قوله : { وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } قرأ أبو عمرو{[51786]} يَعْلَمُونَ بالياء وقرأ الآخرون بالتاء من فوق قرأ الغيبة فهو رجوع إلى قوله : «أيْدِيَهُمْ » وَ«عَنْهُمْ » . ومن قرأ بالخطاب فهو رجوع إلى قوله : «أيْدِيَكُمْ » و«عَنكُم » ، والمعنى أن الله يرى فيه من المصلحة وإنْ كُنْتُمْ لا ترون ذلك{[51787]} .


[51778]:زيادة من (أ).
[51779]:جبل وهو موضع بين مكة وسرف.
[51780]:الغرة بالكسر الغفلة.
[51781]:في القرطبي: فأخذناهم... فاستحييناهم.
[51782]:زيادة من (أ).
[51783]:زيادة من الروايات لاستقامة اللفظ والمعنى.
[51784]:في (ب) يجعل.
[51785]:وانظر في سبب النزول القرطبي 16/280 و281.
[51786]:وحده وهي قراءة متواترة انظر السبعة 604 والكشف 2/282.
[51787]:قاله الإمام الرازي 28/98.