أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

شرح الكلمات :

{ وما أفاء الله على رسوله منهم } : أي وما رد الله ليد رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال بني النضير .

{ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } : أي أسرعتم في طلبه والحصول عليه خيلاً ولا إبلاً أي تعانوا فيه مشقة .

{ ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } : أي وقد سلط رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم على بني النضير ففتح بلادهم صلحاً .

المعنى :

ما زال السياق الكريم في غزوة بني النضير إنه بعد الصلح الذي تم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تركوا حوائطهم أي بساتينهم فيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورغب المسلمون في تلك البساتين ورأى بعضهم أنها ستقسم عليها كما تقسم الغنائم فأبى الله تعالى ذلك عليهم .

وقال : { وما أفاء الله على رسوله } أي وما رد الله تعالى على رسوله من مال بني النضير . وكلمة ردّ تفسير لكلمة أفاء لأن الفيء الظل يتقلص ثم يرجع أي يُردّ وأموال بني النضير الأصل فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن بني النضير عاهدوا رسول الله وبمقتضى المعاهدة أبقى عليهم أموالهم فإِذا نقضوا العهد وخانوا لم يستحقوا من المال شيئاً لا سيما وأنهم تآمروا على قتله وكادوا ينفذون جريمتهم التي تحملوا تبعتها ولو لم ينفذوها وبداءة القضية كالتالي :

أن المعاهدة التي تمت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين بني النضير من جملة بنودها أن يؤدوا مع الرسول ما يتحمل من ديات . وبعد وقعة أحد بنصف سنة حدث أن عمرو بن أمية الضميري قتل خطأ رجلين من بني كلب أو بني كلاب فجاء ذووهم يطالبون بديتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو المسئول عن المسلمين فخرج صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير في قريتهم التي تبعد عن المدينة بميلين يطالب الإِسهام في دية الرجلين الكلابيين بحكم المعاهدة فلما انتهى إليهم أنزلوه هو وأصحابه بأحسن مجلس وقالوا ما تطلبه هو لك يا أبا القاسم ثم خلوا بأنفسهم وقالوا إن الفرصة سانحة للتخلص من الرجال فجاءوا برحىً " مطحنة " من صخرة وطلعوا بها إلى سطح المنزل وهموا أن يسقطوها على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الجدار مع أصحابه ، وقبل أن يسقطوا الرحى أوحى الله إلى رسوله أن قم من مكانك فإن اليهود أرادوا إسقاط حجر عليك ليقتلوك فقام صلى الله عليه وسلم على الفور وتبعه أصحابه وسقط على أيدي اليهود .

وما إن رجع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أعلن الخروج إلى بني النضير فإنهم نقضوا عهدهم ووجب قتالهم فنزل بساحتهم وحاصرهم وجرت سفارة وانتهت بصلح يقضي بأن يجلو بنو النضير عن المدينة يحملون أموالهم على إبلهم دون السلاح ويلتحقوا بأذرعات بالشام فكان هذا أول حشر لهم إلى أرض المعاد والمحشر إلا أسرتين نزلتا بخيبر أسرة بني الحقيق الذين منهم حيي ابن اخطب والد صفية زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولهذه الغزوة بقية ستأتي عند قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفرا من أهل الكتاب } الآيات .

من هنا علمنا أن مال بني النضير هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفاءه الله عليه فقال وما أفاء الله على رسوله منهم أي من بني النضير . ولما طمع المؤمنون فيه قال تعالى رداً عليهم فما أوجفتم عليه أي على أموال بني النضير أي ما ركبتم إليه خيلاً ولا إبلاً ولا أسرعتم عدواً إليهم لأنهم في طرف المدينة فلم تتحملوا سفراً ولا تعباً ولا قتالاً موتاً وجراحات فلذا لاحق لكم فيها فإنها فيء وليست بغنائم . ولكن الله يسلط رسله على من يشاء بدون حروب ولا قتال فيفيء عليهم بمال الكفرة الذي هو مال الله فيرده على رسله ، وقد سلط الله حسب سنته في رسله محمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائه بني النضير فحاز المال بدون قتال ولا سفر فهو له دون غيره ينفقه كما يشاء ومع هذا فقد أنفقه صلى الله عليه وسلم ولم يبق منه إلا قوت سنة لأزواجه رضي الله عنهن وأرضاهن . وقوله تعالى { والله على كل شيء قدير } لا يمتنع منه قوى ، ولا يتعزز عليه شريف سرى .

الهداية :

من الهداية :

- بيان أن مال بني النضير كان فيئاً خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم .

- أن الفيء وهو ما حصل عليه المسلمون بدون قتال وإنما بفرار العدو وتركه أو بصلح يتم بينه وبين المسلمين هذا الفيء يقسم على ما ذكر تعالى في هذه الآية إذ قال : { وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله ، وللرسول ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل } ، وأما الغنائم وهى ما أخذت عنوة بالقوة وسافر إليها المسلمون فإنها تُخَمَّس خمس لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يوزع بينهم بالسوية ، والأربعة الأخماس الباقية تقسم على المجاهدين الذين شاركوا في المعارك وخاضوها للرجل قسم وللفارس قسمان .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

قوله تعالى : { وما أفاء الله على رسوله } أي رده على رسوله . يقال : فاء يفيء أي رجع ، وفاءها الله { منهم } أي من يهود بني النضير ، { فما أوجفتم } أوضعتم ، { عليه من خيل ولا ركاب } يقال : وجف الفرس والبعير يجف وجيفاً وهو سرعة السير ، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير ، وأراد بالركاب الإبل التي تحمل القوم . وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسمها بينهم ، كما فعل بغنائم خيبر ، فبين الله تعالى في هذه الآية أنها فيء لم يوجف المسلمون عليها خيلاً ولا ركاباً ولم يقطعوا إليها شقة ولا نالوا مشقة ولم يلقوا حرباً ، { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير } فجعل أموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة ، وهم أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصمة .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري ، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النضري ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال : هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون ؟ قال : نعم ، فأدخلهم ، فلبث يرفأ قليلاً ثم جاء فقال : هل لك في عباس وعلي يستأذنان ؟ قال : نعم ، فأذن لهما فلما دخلا قال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، -وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله من بني النضير- فقال الرهط : يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر ، قال : اتئدوا ، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة . يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ؟ قالوا : قد قال ذلك ، فأقبل عمر على علي وعباس ، فقال أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ؟ قالا : نعم ، قال : فإني أحدثكم عن هذا الأمر ، إن الله كان خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ، فقال : { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } إلى قوله : { قدير } ، وكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته ، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر رضي الله عنه فعمل بها بما عمل به فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنتم حينئذ جميع ، وأقبل على علي وعباس : تذكران أن أبا بكر فعل فيه كما تقولان والله يعلم إنه فيها صادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر ، فقلت : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر والله يعلم إني فيه صادق بار راشد تابع للحق ، ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة ، وأمركما جميع فقلت لكما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ، فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت : إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وبما عملت به فيها منذ وليتها ، وإلا فلا تكلماني فيها ، فقلتما : ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما ؟ أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك ؟ فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكما .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

{ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } معنى أفاء الله : جعله فيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأوجفتم من الوجيف وهو سرعة السير ، والركاب هي الإبل ، والمعنى : أن ما أعطى الله رسوله من أموال بني النضير لم يمش المسلمون إليه بخيل ولا إبل ولا تعبوا فيه ولا حصلوه بقتال ولكن حصل بتسليط رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني النضير ، فأعلم الله من هذه الآية أن ما أخذه من بني النضير وما أخذه من فدك : فهو فيء خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيه ما يشاء ، لأنه لم يوجف عليها ولا قوتلت كبير قتال فهما بخلاف الغنيمة التي تؤخذ بالقتال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من أموال بني النضير قوت عياله وقسم سائرها في المهاجرين ، ولم يعط الأنصار منها شيئا غير أن أبا دجانة وسهل بن حنيف شكوا فاقة فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منها سهما ، هذا قول جماعة .

وقال عمر بن الخطاب : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله سنة وما بقي جعله في السلاح والكراع عدة في سبيل الله " . وقال قوم من العلماء وكذلك كل ما فتحه الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة يأخذون منه حاجتهم ويصرفون باقيه في مصالح المسلمين .