السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

{ وما أفاء الله } أي : ردّ الملك الذي له الأمر كله ردّاً سهلاً بعد أن كان في غاية العسر والصعوبة { على رسوله } فصيره في يده بعد أن كان خروجه عنها بوضع أيدي الكفرة عليه ظلماً وعدواناً ، كما دل عليه التعبير بالفيء الذي هو عود الظلّ إلى الناحية التي كان ابتدأ منها { منهم } أي : ردّاً مبتدأ من الفاسقين فبين تعالى أن هذا فيء لا غنيمة ، ويدخل في الفيء أموال من مات منهم بلا وارث ، وكذا الفاضل عن وارث له غير حائز ، وكذا الجزية وعشر تجارتهم ، وما جلوا أي : تفرقوا عنه ولو لغير خوف كضرّ أصابهم .

وأمّا الغنيمة فهي ما حصل لنا من الحربيين مما هو لهم بإيجاف حتى ما حصل بسرقة أو التقاط ، وكذا ما انهزموا عنه عند التقاء الصفين ولو قبل شهر السلاح ، أو أهداه الكافر لنا والحرب قائمة . ولم تحل الغنائم لأحد قبل الإسلام بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالاً جمعوه فتأتي نار من السماء فتأخذه ، ثم أحلت لنبينا صلى الله عليه وسلم وكانت في صدر الإسلام له خاصة ، لأنه كالمقاتلين كلهم نصرة وشجاعة بل أعظم ، ثم نسخ ذلك واستقرّ الأمر على ما هو في سورة الأنفال في قوله تعالى :{ واعلموا إنما غنمتم من شيء }[ الأنفال : 41 ] الآية وأما الفيء فهو مذكور هنا بقوله تعالى : { فما أوجفتم } أي : أسرعتم يا مسلمين { عليه } ومن في قوله تعالى : { من خيل } مزيدة ، أي : خيلاً ، وأكد بإعادة النافي دفعاً لظن من ظنّ أنه غنيمة لأحاطتهم به بقوله تعالى : { ولا ركاب } ، والركاب الإبل غلب ذلك عليها من بين المركوبات ، واحدها راكبة ولا واحد لها من لفظها .

وقال الرازي : العرب لا يطلقون لفظ الراكب إلا على راكب البعير ، ويسمون راكب الفرس فارساً ، والمعنى : لم تقطعوا إليها شقة ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقة ، فإنها كانت من المدينة على ميلين ، قاله الفرّاء فمشوا إليها مشياً ، ولم يركبوا إليها خيلاً ولا إبلاً إلا النبي صلى الله عليه وسلم ركب جملاً ، وقيل : حماراً مخطوماً بليف فافتتحها صلحاً .

قال الرازي : إنّ الصحابة طلبوا من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم ، فذكر الله تعالى الفرق بين الأمرين ، وأنّ الغنيمة هي التي تعبتم أنفسكم في تحصيلها ، وأمّا الفيء فلم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكان الأمر مفوّضاً فيه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يضعه حيث يشاء .

{ ولكن الله } أي : الذي له العز كله فلا كفؤ له { يسلط رسله } أي : له هذه السنة في كل زمن { على من يشاء } يجعل ما آتاهم سبحانه من الهيبة رعباً في قلوب أعدائه ، { والله } أي : الملك الذي له الكمال كله ، { على كل شيء } يصح أن تتعلق المشيئة به ، وهو كل ممكن من التسليط وغيره ، { قدير } أي : بالغ القدرة إلى أقصى الغايات فلا حق لكم فيه ، ويختص به النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن ذكر معه في الآية الثانية من الأصناف الأربعة ، على ما كان عليه القسمة من أنّ لكل منهم خمس الخمس وله صلى الله عليه وسلم الباقي يفعل فيه ما يشاء .