{ وما أفاء الله } أي : ردّ الملك الذي له الأمر كله ردّاً سهلاً بعد أن كان في غاية العسر والصعوبة { على رسوله } فصيره في يده بعد أن كان خروجه عنها بوضع أيدي الكفرة عليه ظلماً وعدواناً ، كما دل عليه التعبير بالفيء الذي هو عود الظلّ إلى الناحية التي كان ابتدأ منها { منهم } أي : ردّاً مبتدأ من الفاسقين فبين تعالى أن هذا فيء لا غنيمة ، ويدخل في الفيء أموال من مات منهم بلا وارث ، وكذا الفاضل عن وارث له غير حائز ، وكذا الجزية وعشر تجارتهم ، وما جلوا أي : تفرقوا عنه ولو لغير خوف كضرّ أصابهم .
وأمّا الغنيمة فهي ما حصل لنا من الحربيين مما هو لهم بإيجاف حتى ما حصل بسرقة أو التقاط ، وكذا ما انهزموا عنه عند التقاء الصفين ولو قبل شهر السلاح ، أو أهداه الكافر لنا والحرب قائمة . ولم تحل الغنائم لأحد قبل الإسلام بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالاً جمعوه فتأتي نار من السماء فتأخذه ، ثم أحلت لنبينا صلى الله عليه وسلم وكانت في صدر الإسلام له خاصة ، لأنه كالمقاتلين كلهم نصرة وشجاعة بل أعظم ، ثم نسخ ذلك واستقرّ الأمر على ما هو في سورة الأنفال في قوله تعالى :{ واعلموا إنما غنمتم من شيء }[ الأنفال : 41 ] الآية وأما الفيء فهو مذكور هنا بقوله تعالى : { فما أوجفتم } أي : أسرعتم يا مسلمين { عليه } ومن في قوله تعالى : { من خيل } مزيدة ، أي : خيلاً ، وأكد بإعادة النافي دفعاً لظن من ظنّ أنه غنيمة لأحاطتهم به بقوله تعالى : { ولا ركاب } ، والركاب الإبل غلب ذلك عليها من بين المركوبات ، واحدها راكبة ولا واحد لها من لفظها .
وقال الرازي : العرب لا يطلقون لفظ الراكب إلا على راكب البعير ، ويسمون راكب الفرس فارساً ، والمعنى : لم تقطعوا إليها شقة ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقة ، فإنها كانت من المدينة على ميلين ، قاله الفرّاء فمشوا إليها مشياً ، ولم يركبوا إليها خيلاً ولا إبلاً إلا النبي صلى الله عليه وسلم ركب جملاً ، وقيل : حماراً مخطوماً بليف فافتتحها صلحاً .
قال الرازي : إنّ الصحابة طلبوا من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم ، فذكر الله تعالى الفرق بين الأمرين ، وأنّ الغنيمة هي التي تعبتم أنفسكم في تحصيلها ، وأمّا الفيء فلم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكان الأمر مفوّضاً فيه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يضعه حيث يشاء .
{ ولكن الله } أي : الذي له العز كله فلا كفؤ له { يسلط رسله } أي : له هذه السنة في كل زمن { على من يشاء } يجعل ما آتاهم سبحانه من الهيبة رعباً في قلوب أعدائه ، { والله } أي : الملك الذي له الكمال كله ، { على كل شيء } يصح أن تتعلق المشيئة به ، وهو كل ممكن من التسليط وغيره ، { قدير } أي : بالغ القدرة إلى أقصى الغايات فلا حق لكم فيه ، ويختص به النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن ذكر معه في الآية الثانية من الأصناف الأربعة ، على ما كان عليه القسمة من أنّ لكل منهم خمس الخمس وله صلى الله عليه وسلم الباقي يفعل فيه ما يشاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.