فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

{ وما أفاء الله على رسوله منهم } أي ما رده عليه من أموال الكفار ، يقال : فاء يفيء إذا رجع ، والضمير في منهم راجع إلى بني النضير ، { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } يقال : وجف الفرس والبعير يجف وجفا وهو سرعة السير ، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير السريع ، و { ما } في { ما أوجفتم } نافية ، والفاء جواب الشرط إن كانت { ما } في { ما أفاء الله } شرطية ، وإن كانت موصولة فالفاء زائدة و { من } في { من نخيل } زائدة للتأكيد ، والركاب ما يركب من الإبل خاصة ، قال الرازي : العرب لا يطلقون لفظ الراكب إلا على راكب البعير ، ويسمون راكب الفرس فارسا ، والمعنى أن ما رد الله على رسوله من أموال بني النضير لم تركبوا لتحصيله خيلا ولا إبلا ، ولم تقطعوا إليها مسافة ، ولا تجشمتم لها شقة ، ولا لقيتم بها حربا ولا مشقة ، وإنما كانت من المدينة على ميلين ، قاله الفراء ، فجعل الله سبحانه أموال بني النضير لرسوله صلى الله عليه وسلم ، خاصة لهذا السبب فإنه افتتحها صلحا ، وأخذ أموالها ، وقد كان يسأله المسلمون أن يقسم لهم فنزلت الآية .

أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما : ( عن عمر بن الخطاب قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، خاصة ، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله ) .

( وعن ابن عباس قال : جعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحكم فيه ما أراد ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها ، قال : والإيجاف أن يوضعوا السير وهي لرسول الله فكان من ذلك خيبر وفدك ، وقرى عرينة ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمد لينبع فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتواها كلها ، فقال ناس : هلا قسمها الله ؟ فأنزل الله عذره ، فقال : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية ) ، وفي الكرخي : وهذا وإن كان كالغنيمة لأنهم خرجوا أياما وقاتلوا وصالحوا ، لكن لقلة تعبهم أجراه الله تعالى وجرى الفيء .

{ ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } أي سنته تعالى جارية على أن يسلطهم على من يشاء من أعدائه تسلطا غير معتاد ، من غير أن يقتحموا مضايق الخطوب ، ويقاسوا شدائد الحروب ، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون أصحابه ، لكونهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب ، بل مشوا إليها مشيا ، { والله على كل شيء قدير } يسلط من يشاء على من أراد ، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } ، فلا حق لكم فيه ويختص به النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذكر معه في الآية الثانية من الأصناف الأربعة على ما كان يقسمه .