الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

{ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ } : ردّ الله { عَلَى رَسُولِهِ } ورجع إليه ، ومنه فيء الظل { مِنْهُمْ } من بني النضير من الأموال { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ } : أوضعتم { عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } وهي الإبل ، يقول : لم يقطعوا إليها شقة ، ولم ينالوا فيها مشقّة ولم يكلّفوا مؤونة ولم يلقوا حرباً وإنّما كانت بالمدينة فمشوا إليها مشياً ، ولم يركبوا خيلا ولا إبلا إلاّ النبي صلى الله عليه وسلم فإنّه ركب جملا فافتتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلحاً وأجلاهم عنها وأحرز أموالهم ، فسأل المؤمنون النبيّ صلى الله عليه وسلم القسمة ، فأنزل الله سبحانه { وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فجعل أموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة يضعها حيث يشاء ، فقسمها رسول الله ( عليه السلام ) بين المهاجرين ولم يعطِ الأنصار منها شيئاً إلاّ ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصمة ، ولم يسلم من بني النضير إلاّ رجلان : أحدهما سفيان بن عمير بن وهب ، والثاني سعيد بن وهب وسلما على أموالهما فأحرزاها .

أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا حامد بن محمّد قال : أخبرنا بشر بن موسى قال : حدّثنا الحميد قال : حدّثنا سفيان قال : حدّثنا عمرو بن دينار ومعمر بن راشد ، عن ابن شهاب الزهري أنّه سمع مالك بن أوس بن الحدثان البصري يقول : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إنّ أموال بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصاً ، فكان رسول الله ( عليه السلام ) ينفق على أهله منه نفقة سنة ، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدّة في سبيل الله .

أخبرنا محمّد بن عبد الله بن حمدون قال : أخبرنا أحمد بن محمّد بن الحسن قال : حدّثنا محمّد ابن يحيى قال : حدّثنا محمّد بن يوسف قال : حدّثنا ابن عيينة ، عن معمر ، عن الزهري قال : وأُخبرت عن محمّد بن جرير قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عبد الأعلى قال : حدّثنا أبو ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : أرسل إليّ عمر بن الخطاب فدخلت عليه ، فقال : إنّه قد حضر أهل ثبات من قومك ، وأنّا قد أمرنا لهم برضخ فاقسمه بينهم . فقلت : يا أمير المؤمنين ، مر بذلك غيري . قال : اقبضه أيّها المرء .

فبينا أنا كذلك إذ جاء مولاه يرفأ فقال : عبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان وسعد يستأذنون . فقال : ايذن لهم .

ثم مكث ساعة ، ثم جاء فقال : هذا علي والعباس يستأذنان .

فقال : ايذن لهما . فلمّا دخل العباس قال : يا أمير المؤمنين ، اقضِ بيني وبين هذا الغادر الفاجر الخائن . وهما حينئذ يختصمان فيما أفاء الله عزّوجل على رسوله من أموال بني النضير . فقال القوم : اقضِ بينهما يا أمير المؤمنين وأرح كلّ واحد منهما من صاحبه ، فقد طالت خصومتهما . فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض ، أتعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورّث ، ما تركناه صدقة " .

قالوا : قد قال ذلك . ثم قال لهما : أتعلمان أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ؟ قالا : نعم ، قال : فسأخبركم بهذا الفيء ، إنّ الله سبحانه خصّ نبيّه ( عليه السلام ) بشيء لم يعطِ غيره فقال : عزّ من قائل : { وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } فكانت هذه لرسول الله ( عليه السلام ) خاصّة ، فوالله ما اختارها دونكم ولا استأثرها دونكم ، ولقد قسّمها عليكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله منها سنتهم ثم يجعل ما بقي في مال الله ، عزّوجل .