فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

{ وَمَا أَفَاء الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ } أي ما ردّه عليه من أموال الكفار ، يقال : فاء يفيء إذا رجع ، والضمير في { منهم } عائد إلى بني النضير { فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } يقال : وجف الفرس والبعير يجف وجفاً : وهو سرعة السير ، وأوجفه صاحبه : إذا حمله على السير السريع ، ومنه قول تميم بن مقبل :

مذ أوبد بالبيض الحديد صقالها *** عن الركب أحياناً إذا الركب أوجفوا

وقال نصيب :

ألا رُبَّ ركب قد قطعت وجيفهم *** إليك ولولا أنت لم يوجف الركب

و«ما » في { فَمَا أَوْجَفْتُمْ } نافية ، والفاء جواب الشرط إن كانت «ما » في قوله : { مَّا أَفَاء الله } شرطية وإن موصولة فالفاء زائدة ، «ومن » في قوله : { مِنْ خَيْلٍ } زائدة للتأكيد ، والركاب : ما يركب من الإبل خاصة ، والمعنى : أن ما ردّ الله على رسوله من أموال بني النضير لم تركبوا لتحصيله خيلاً ولا إبلاً ولا تجشمتم لها شقة ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقة ، وإنما كانت من المدينة على ميلين ، فجعل الله سبحانه أموال بني النضير لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة لهذا السبب . فإنه افتتحها صلحاً وأخذ أموالها ، وقد كان سأله المسلمون أن يقسم لهم فنزلت الآية : { ولكن الله يُسَلّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَاء } من أعدائه ، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، دون أصحابه لكونهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب ، بل مشوا إليها مشياً ، ولم يقاسوا فيها شيئًا من شدائد الحروب ، { والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } يسلط من يشاء على من أراد ، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] .

/خ7