أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

شرح الكلمات :

{ المخلفون من الأعراب } : أي المذكورون في الآيات قبل هذه وهم غفار وجهينة ومزينة وأشجع .

{ إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } : أي مغانم خيبر إذا وعدهم الله بها عند رجوعهم من الحديبية .

{ ذرونا نتبعكم } : أي دعونا نخرج معكم لنصيب من الغنائم .

{ يريدون أن يبدلوا كلام الله } : أي أنهم يطلبهم الخروج إلى خيبر لأخذ الغنائم يريدون أن يغيروا وعد الله لأهل الحديبية خاصة بغنائم خيبر .

{ كذلك قال الله من قبل } : أي قاله تعالى لنا قبل عودتنا إلى المدينة فلن تتبعونا ولن تخرجوا معنا .

{ فسيقولون بل تحسدوننا } : أي فسيقولون بل تحسدوننا وفعلا فقد قالوا ذلك وزعموا انه ليس أمرا من الله هذا المنع ، وإنما هو من الرسول والمؤمنين حسداً لهم ، وهذا دال على نفاقهم وكفرهم والعياذ بالله .

{ بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } : أي لا يفهمون فهم الحاذق الماهر إلا قليلا وفي أمور الدنيا لا غير .

المعنى :

ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين من الحضر والبادية وذلك بالحديث عنهم وكشف عوارهم ودعوتهم إلى التوبة والرجوع إلى الحق عند ظهور انحرافهم وسوء أحوالهم فقال تعالى لرسوله . سيقول المخلفون الذي تقدم الحديث عنهم وأنهم تخلفوا عن الحديبية من الأعراب الذين هم مزينة وجهينة وغفار وأشجع . أي سيقولون لكم إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، وذلك أن الله تعالى بعد صلح الحديبية وما نال أهلها من آلام نفسيّة أكرمهم بنعم كثيرة منها انه واعدهم بغنائم خيبر بأن يتم لهم فتحها ويغنمهم أموالها وكانت أموالاً عظيمة ، فلما عادوا إلى المدينة وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخروج إلى خيبر جاء هؤلاء المخلفون يطالبون بالسير معهم لأجل الغنيمة لا غير ، قال تعالى { يريدون أن يبدلوا كلام الله } وهو وعده لأهل الحديبية بأن يُغنمهم غنائم خيبر ، ولذا أمر رسوله أن يقول لهم لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل أي فقد أخبرنا تعالى بحالكم ومقالكم هذا قبل أن تقولوه وتكنوا عليه . وقوله { فسيقولون بل تحسدوننا } هذا من جملة ما أخبر تعالى به رسوله والمؤمنين قبل قولهم له وق قالوه أي ما منعتمونا من الخروج إلى خيبر إلا حسداً لنا أن ننال من الغنائم أي لم يكن الله أمركم بمنعنا ولكن الحسد هو الذي أمركم وقوله تعالى بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا أي وصمهم بوصمة الجهل وجعلها هي علة تخبطهم وحيرتهم وضلالهم ، إنهم قليلوا الفهم والإِدراك فليسوا على مستوى الرجل الحاذق الماهر البصير الذي يحسن القول والعمل .

الهداية :

من الهداية :

- وعد الله رسوله والمؤمنين بغنائم خيبر وهم في طريقهم من الحديبية إلى المدينة وانجازه لهم دال على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته وكلها موجبة للإِيمان والتوحيد وحب الله والرغبة إليه والرهبة منه .

- بيان حيرة الكافر واضطراب نفسه وتخبط قوله وعمله .

- ذم الجهل وتقبيحه إنه بئس الوصف يوصف به المرء ، ولذا لا يرضاه حتى الجاهل لنفسه فلو قلت لجاهل يا جاهل لا تفعل كذا أو لا تقل كذا الغضب عليك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

قوله تعالى : { ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا* ولله الملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما* سيقول المخلفون } يعني هؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية ، { إذا انطلقتم } سرتم وذهبتم أيها المؤمنون { إلى مغانم لتأخذوها } يعني غنائم خيبر ، { ذرونا نتبعكم } إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها ، وذلك أنهم لما انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر وجعل غنائمهما لمن شهد الحديبية خاصة عوضاً عن غنائم أهل مكة إذا انصرفوا عنهم على صلح ولم يصيبوا منهم شيئاً . قال الله تعالى : { يريدون أن يبدلوا كلام الله } قرأ حمزة والكسائي : ( كلم الله ) بغير ألف جمع كلمة ، وقرأ الآخرون : ( كلام الله ) ، يريدون أن يغيروا مواعيد الله تعالى لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة . وقال مقاتل : يعني أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يسير معه منهم أحد . وقال ابن زيد : هو قول الله عز وجل : { فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً } ( التوبة-83 ) ، والأول أصوب ، وعليه عامة أهل التأويل . { قل لن تتبعونا } إلى خيبر ، { كذلكم قال الله من قبل } أي : من قبل مرجعنا إليكم إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب ، { فسيقولون بل تحسدوننا } أي : يمنعكم الحسد من أن نصيب معكم الغنائم ، { بل كانوا لا يفقهون } لا يعلمون عن الله ما لهم وعليهم من الدين ، { إلا قليلاً } منهم وهو من صدق الله والرسول .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

قوله تعالى : " سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها " يعني مغانم خيبر ، لأن الله عز وجل وعد أهل الحديبية فتح خيبر ، وأنها لهم خاصة من غاب منهم ومن حضر . ولم يغب منهم عنها غير جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضر . قال ابن إسحاق : وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار بن صخر الأنصاري من بني سلمة ، وزيد بن ثابت من بني النجار ، كانا حاسبين قاسمين . " ذرونا نتبعكم " أي دعونا . تقول : ذره ، أي دعه . وهو يذره ، أي يدعه . وأصله وذره يذره مثال وسعه يسعه . وقد أميت صدره{[13999]} ، لا يقال : وذره ولا واذر ، ولكن تركه وهو تارك . قال مجاهد : تخلفوا عن الخروج إلى مكة ، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ قوما ووجه بهم قالوا ذرونا نتبعكم فنقاتل معكم . " يريدون أن يبدلوا كلام الله " أي يغيروا . قال ابن زيد : هو قوله تعالى : " فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا " {[14000]} [ التوبة : 83 ] الآية . وأنكر هذا القول الطبري وغيره ، بسبب أن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة . وقيل : المعنى يريدون أن يغيروا وعد الله الذي وعد لأهل الحديبية ، وذلك أن الله تعالى جعل لهم غنائم خيبر عوضا عن فتح مكة إذ رجعوا من الحديبية على صلح ، قاله مجاهد وقتادة ، واختاره الطبري وعليه عامة أهل التأويل . وقرأ حمزة والكسائي " كلم " بإسقاط الألف وكسر اللام جمع كلمة ، نحو سلمة وسلم . الباقون " كلام " على المصدر . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، اعتبارا بقوله : " إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي " {[14001]} [ الأعراف : 144 ] . والكلام : ما استقل بنفسه من الجمل . قال الجوهري : الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير . والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة ، مثل نبقة ونبق . ولهذا قال سيبويه : ( هذا باب علم ما الكلم من العربية ) ولم يقل ما الكلام ، لأنه أراد نفس ثلاثة أشياء : الاسم والفعل والحرف ، فجاء بما لا يكون إلا جمعا ، وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة . وتميم تقول : هي كلمة ، بكسر الكاف ، وقد مضى في " التوبة " القول فيها{[14002]} .

قوله تعالى : " كذلكم قال الله من قبل " أي من قبل رجوعنا من الحديبية إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة . " فسيقولون بل تحسدوننا " أن نصيب معكم من الغنائم . وقيل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ إن خرجتم لم أمنعكم إلا أنه لا سهم لكم ] . فقالوا : هذا حسد . فقال المسلمون : قد أخبرنا الله في الحديبية بما سيقولونه وهو قوله تعالى : " فسيقولون بل تحسدوننا " فقال الله تعالى : " بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا " يعني لا يعلمون إلا أمر الدنيا . وقيل : لا يفقهون من أمر الدين إلا قليلا ، وهو ترك القتال .


[13999]:هذه عبارة الأصل وصحاح الجوهري. وعبارة اللسان:"والعرب قد أماتت المصدر من " يذر" والفعل الماضي، فلا يقال. ..." الخ.
[14000]:آية 83 سورة التوبة.
[14001]:آية 144 سورة الأعراف.
[14002]:راجع ج 8 ص 149.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

قوله تعالى : { سيقول المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } .

المراد بالمغانم ههنا ، مغانم خيبر ، لأن الله ( جل وعلا ) قد وعد أهل الحديبية فتح خيبر وانها لهم خاصة سواء فيهم الغائب أو الحاضر . ولم يغب منهم عن خيبر سوى جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضر . والمعنى : سيقول لكم المخلفون عند انطلاقكم إلى خيبر لتفتحوها وتأخذوا مغانمها { ذرونا نتّبعكم } أي دعونا أو اتركونا نتبعكم ونشهد معكم غزوة خيبر . وكانوا من قبل قد تخلفوا عن الخروج إلى مكة والاستعداد للقاء المشركين .

قوله : { يريدون أن يبدلوا كلام الله } يعني يريد هؤلاء المخلفون المنافقون أن يغيروا وعد الله الذي وعده أهل الحديبية دون غيرهم . وذلك أن الله جعل غنائم خيبر لهم خاصة .

قوله : { قل لن تتبعونا } وهذا النفي في معنى النهي ، فقد منعهم الله من الخروج إلى خيبر ، أي : قل لهؤلاء المخلفين لن تتبعونا إلى خيبر إذا ذهبنا لقتالهم { قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل } أي مثل ذلك القول قال الله لنا من قبل أن نرجع إليكم من الحديبية . وهو أن غنيمة خيبر لمن شهد معنا الحديبية خاصة ، ولستم أنتم ممن شهدها .

قوله : { فسيقولون بل تحسدوننا } أي سيقول المخلفون عن الخروج ليس ذلك بقول الله كما تزعمون . بل ما يمنعكم من الإذن لنا بالخروج معكم إلا حسدكم لنا كيلا يكون لنا معكم في الغنائم نصيب .

قوله : { بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } وذلك رد لزعمهم الباطل ، فهم لا يعلمون من الحقيقة أو من دين الله إلا يسيرا .