فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

{ سيقول المخلفون } المذكورون { إذا انطلقتم } أي عند انطلاقكم أيها المسلمون { إلى مغانم } أي مغانم خيبر { لتأخذوها } أي لتحوزوها { ذرونا } أي : اتركونا ودعونا { نتبعكم } ونشهد معكم غزوة خيبر ، وأصل القصة أنه لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست ، أقام بالمدينة بقيته وأوائل المحرم من سنة سبع . وعدهم الله فتح خيبر وخص لغنائمها من شهد الحديبية ، فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون : ذرونا نتبعكم ، فقال سبحانه : { يريدون أن يبدلوا كلام الله } أي : يغيروه ، والمراد بهذا الكلام هو مواعيد الله لأهل الحديبية خاصة ، بغنيمة خيبر .

وقال مقاتل : يعني أمر الله لرسوله ألا يسير معه أحد منهم ، وقال ابن زيد هو قوله تعالى : { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل : لن تخرجوا معي أبدا ، ولن تقاتلوا معي عدوا } واعترض هذا ابن جرير وغيره بأن غزوة تبوك كانت بعد فتح خبير وبعد فتح مكة ، والأول أولى ، وبه قال مجاهد وقتادة . ورجحه ابن جرير وغيره ، وعليه عامة أهل التأويل ، قرأ الجمهور كلام الله ، وقرئ كلم الله ، قال الجوهري : الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير ، والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات ، لأنه جمع كلمة مثل نبق ونبقة ، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يمنعهم من الخروج معه فقال :

{ قل : لن تتبعونا } هذا النفي هو بمعنى النهي للمبالغة ، والمعنى لا تتبعونا { كذلكم قال الله من قبل } أي : قبل رجوعنا من الحديبية أن غنيمة لمن شهد الحديبية خاصة ، ليس لغيرهم فيها نصيب { فسيقولون } يعني المنافقين عند سماع هذا القول ، وهو قوله : { قل لن } الخ { بل } إضراب عن محذوف هو مقول القول كما علمت { تحسدوننا } أي بل ما يمنعكم من خروجنا معكم إلا الحسد لئلا نشارككم في الغنيمة ، وليس ذلك حكما من الله كما تزعمون ، ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله :

{ بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } أي : لا يعلمون إلا علما قليلا ، وهو علمهم بأمر الدنيا وقيل : لا يفقهون من أمر الدين إلا فقها قليلا ، وهو ما يصنعونه نفاقا بظواهرهم دون بواطنهم ، والفرق بين الإضرابين أن :

الأول : رد أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم ، وإثبات الحسد .

والثاني : إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أعم منه ، وهو الجهل وقلة الفقه ، وفيه أن الجهل غاية في الذم ، وحب الدنيا ليس من شيمة العالم العاقل .