فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

{ سَيَقُولُ المخلفون إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } المخلفون هؤلاء المذكورون سابقاً ، والظرف متعلق بقوله : { سَيَقُولُ } والمعنى : سيقولون عند انطلاقكم أيها المسلمون { إلى مَغَانِمَ } يعني : مغانم خيبر { لِتَأْخُذُوهَا } لتحوزوها { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } أي اتركونا نتبعكم ونشهد معكم غزوة خيبر . وأصل القصة أنه لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر ، وخصّ بغنائمها من شهد الحديبية ، فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون : ذرونا نتبعكم ، فقال الله سبحانه : { يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كلام الله } أي يغيروا كلام الله ، والمراد بهذا الكلام الذي أرادوا أن يبدّلوه : هو مواعيد الله لأهل الحديبية خاصة بغنيمة خيبر . وقال مقاتل : يعني أمر الله لرسوله أن لا يسير معه أحد منهم . وقال ابن زيد : هو قوله تعالى : { فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تقاتلوا مَعِىَ عَدُوّا } [ التوبة : 83 ] واعترض هذا ابن جرير وغيره بأن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر ، وبعد فتح مكة ، والأوّل أولى ، وبه قال مجاهد وقتادة ورجحه ابن جرير وغيره . قرأ الجمهور { كَلاَمَ اللهِ } وقرأ حمزة ، والكسائي ( كَلِمَ اللهِ ) قال الجوهري : الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير ، والكلم لا يكون أقلّ من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة مثل نبقة ونبق . ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يمنعهم من الخروج معه ، فقال : { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } هذا النفي هو في معنى النهي ، والمعنى : لا تتبعونا { كَذَلِكُمْ قَالَ الله مِن قَبْلُ } أي من قبل رجوعنا من الحديبية أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة ليس لغيرهم فيها نصيب { فَسَيَقُولُونَ } يعني : المنافقين عند سماع هذا القول ، وهو قوله : { لَّن تَتَّبِعُونَا } بل { تَحْسُدُونَنَا } أي بل ما يمنعكم من خروجنا معكم إلاّ الحسد لئلا نشارككم في الغنيمة ، وليس ذلك بقول الله كما تزعمون . ثم ردّ الله سبحانه عليهم بقوله : { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لا يعلمون إلاّ علماً قليلاً ، وهو علمهم بأمر الدنيا ، وقيل : لا يفقهون من أمر الدين إلاّ فقهاً قليلاً ، وهو ما يصنعونه نفاقاً بظواهرهم دون بواطنهم .

/خ15