مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

قوله تعالى : { سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } .

أوضح الله كذبهم بهذا حيث كانوا عندما يكون السير إلى مغانم يتوقعونها يقولون من تلقاء أنفسهم { ذرونا نتبعكم } فإذا كان أموالهم وأهلوهم شغلتهم يوم دعوتكم إياهم إلى أهل مكة ، فما بالهم لا يشتغلون بأموالهم يوم الغنيمة ، والمراد من المغانم مغانم أهل خيبر وفتحها وغنم المسلمون ولم يكن معهم إلا من كان معه في المدينة ، وفي قوله { سيقول المخلفون } وعد المبايعين الموافقين بالغنيمة والمتخلفين المخالفين بالحرمان .

قوله تعالى : { يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل } .

يحتمل وجوها ( أحدها ) هو ما قال الله إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية وعاهد بها لا غير وهو الأشهر عند المفسرين ، والأظهر نظرا إلى قوله تعالى : { كذلكم قال الله من قبل } ، ( ثانيها ) يريدون أن يبدلوا كلام الله وهو قوله { وغضب الله عليهم } وذلك لأنهم لو اتبعوكم لكانوا في حكم بيعة أهل الرضوان الموعودين بالغنيمة فيكونون من الذين رضي الله عنهم كما قال تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } فلا يكونون من الذين غضب الله عليهم فيلزم تبديل كلام الله ( ثالثها ) هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تخلف القوم أطلعه الله على باطنهم وأظهر له نفاقهم وأنه يريد أن يعاقبهم ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم { فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا } فأرادوا أن يبدلوا ذلك الكلام بالخروج معه ، لا يقال فالآية التي ذكرتم واردة في غزوة تبوك لا في هذه الواقعة ، لأنا نقول قد وجد هاهنا بقوله { لن تتبعونا } على صيغة النفي بدلا عن قوله : لا تتبعونا ، على صيغة النهي معنى لطيف وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على إخبار الله تعالى عنهم النفي لوثوقه وقطعه بصدقه فجزم وقال : { لن تتبعونا } يعني لو أذنتكم ولو أردتم واخترتم لا يتم لكم ذلك لما أخبر الله تعالى .

ثم قال تعالى : { فسيقولون بل تحسدوننا } .

ردا على قوله تعالى : { كذلكم قال الله من قبل } كأنهم قالوا : ما قال الله كذلك من قبل ، بل تحسدوننا ، وبل للاضراب والمضروب عنه محذوف في الموضعين ، أما هاهنا فهو بتقدير ما قال الله وكذلك ، فإن قيل بماذا كان الحسد في اعتقادهم ؟ نقول كأنهم قالوا نحن كنا مصيبين في عدم الخروج حيث رجعوا من الحديبية من غير حاصل ونحن استرحنا ، فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا .

ثم قال تعالى ردا عليهم كما ردوا { بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } أي لم يفقهوا من قولك لا تخرجوا إلا ظاهر النهي ولم يفهموا من حكمه إلا قليلا فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد .