البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

{ سيقول المخلفون } : روي أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم يغزو خيبر ، ووعده بفتحها ، وأعلمه أن المخلفين إذا رأوا مسيره إلى خيبر ، وهم عدو مستضعف ، طلبوا الكون معه رغبة في عرض الدنيا من الغنيمة ، وكان كذلك .

{ يريدون أن يبدلوا كلام الله } : معناه أن يغيروا وعده لأهل الحديبية بغنيمة خيبر ، وذلك أنه وعدهم أن يعوضهم من مغانم مكة خيبر ، إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منها شيئاً ، قاله مجاهد وقتادة ، وعليه عامة أهل التأويل .

وقال ابن زيد : { كلام الله } : قوله تعالى : { قل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً } وهذا لا يصح ، لأن هذه الآية نزلت مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك في آخر عمره .

وهذه السورة نزلت عام الحديبية ، وأيضاً فقد غزت مزينة وجهينة بعد هذه المدة معه عليه الصلاة والسلام ، وفضلهم بعد على تميم وغطفان وغيرهم من العرب .

وقرأ الجمهور : كلام الله ، بألف ؛ والإخوان : كلم الله ، جمع كلمة ، وأمره تعالى أن يقول لهم : { لن تتبعونا } ، وأتى بصيغة لن ، وهي للمبالغة في النفي ، أي لا يتم لكم ذلك ، إذ قد وعد تعالى أن ذلك لا يحضرها إلا أهل الحديبية فقط .

{ كذلكم قال الله من قبل } : يريد وعده قبل اختصاصهم بها .

{ بل تحسدوننا } : أي يعز عليكم أن نصيب مغنماً معكم ، وذلك على سبيل الحسد أن نقاسمكم فيما تغنمون .

وقرأ أبو حيوة : بكسر السين ، ثم رد عليهم تعالى كلامهم هذا فقال : { بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً } من أمور الدنيا ، وظاهره ليس لهم فكر إلا فيها ، كقوله : { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } والإضراب الأول رد أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد .

والثاني ، إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى ما هو أطم منه ، وهو الجهل وقلة الفقه .