اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

( قوله تعالى ){[51701]} : { سَيَقُولُ المخلفون إِذَا انطلقتم } { إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا }{[51702]} يعني هؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية { إِذَا انطلقتم } سرتم وذهبتم أيها المؤمنون { إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني مغانم خيبر { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها{[51703]} ، وذلك أنهم لما انطلقوا انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خير ، وجعل غنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضاً من غنائم مكة إذا انصرفوا من الحديبية ( منهم{[51704]} على صلح ) ولم يصيبوا منهم{[51705]} شيئاً ، ( لأن{[51706]} قوله : { سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ } وعد للمبايعين بالغنيمة وللمخلفين الحالفين بالحرمان ) .

قوله : يُرِيدُ ( ونَ ){[51707]} يجوز أن يكون مستأنفاً وأن يكون حالاً من «المخلفون » وأن يكون حالاً من مفعول «ذَرُونَا »{[51708]} .

قوله : { كَلاَمَ الله } قرأ الأخوان كَلِمَ جمع كلمة{[51709]} والباقون كَلاَم{[51710]} قيل معناه : يريدون أن يغيروا تواعد الله تعالى لأهل الحديبية ، بغنيمة خيبر خاصة{[51711]} وقال مقاتل : يعني أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يسيِّر معه منهم أحداً . وقال ابن زيد : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تخلف القوم أطلعه الله على ظنهم وأظهر له نفاقهم وقال للنبي صلى الله عليه وسلم { فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] . والأول أصوب وعليه أكثر المفسرين{[51712]} .

قوله : { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } إلى خيبر { كَذَلِكُمْ قَالَ الله مِن قَبْلُ } أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب .

قوله : { بَلْ تَحْسُدُونَنَا } قرأ أبو حيوة تَحْسِدُونَنَا{[51713]} بكسر السين «بَلْ » للإضْراب والمضروب عنه محذوف في الموضعين عنه محذوف الموضعين أما ههنا فتقديره ما قال الله كذلك{[51714]} من قبل بل تحسدوننا أي يمنعكم الحسد من أن نصيب منكم الغنائم { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ } لا يعلمون{[51715]} عن الله ما لهم وعليهم من الدين { إِلاَّ قَلِيلاً } منهم وهم{[51716]} من صدق الله ورسوله .

( فإن{[51717]} قيل : بماذا كان الحسد في اعتقادهم ؟

قلنا : كأنهم قالوا : نحن ( كنا ) مصيبين في عدم الخروج ( حيث ){[51718]} رَجَعُوا من الحديبية من غير عدو حاصل ، ونحن اسْتَرَحْنَا فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا . ثم قال الله تعالى رداً عليهم كما ردوا عليه : { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لم يفقهوا من قولك : لا تخرجوا إلا ظاهر النهي ، فلم يفهموا حكمة إلاَّ قليلاً فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد . . ) .


[51701]:سقط من ب.
[51702]:كذلك.
[51703]:في ب: أهلنا.
[51704]:سقط من ب.
[51705]:في ب: ولم يصيبوا شيئا منها.
[51706]:ما بين القوسين كله سقط من ب.
[51707]:سقط من أ الأصل فلعله سهو من المؤلف.
[51708]:قاله العكبري في التبيان 1166.
[51709]:سبعية متواترة ذكرها ابن مجاهد في السبعة 604.
[51710]:وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم اعتبارا بقوله: "إني اصطفيتك على الناس برسالالتي وبكلامي" انظر القرطبي 16/271.
[51711]:هو رأي مجاهد وقتادة.
[51712]:وانظر الرازي 28/90 والبحر 8/94.
[51713]:المرجع الأخير السابق.
[51714]:في الرازي: وكذلك. وانظر الرازي المرجع السابق.
[51715]:في ب: يعملون.
[51716]:وفي ب أيضا: وهو.
[51717]:ما بين القوسين كله سقط من ب.
[51718]:زيادات من الرازي لتوضيح السياق. وانظر الرازي السابق.