{ لقد كنت في غفلة من هذا } : أي من هذا العذاب النازل بك الآن .
{ فكشفنا عنك غطاءك } : أي أزلنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم .
{ فبصرك اليوم حديد } : أي حاد تدرك به ما كنت تنكره في الدنيا من البعث الجزاء .
ويقال لذلك الذي جاء به سائق يسوقه وشاهد يشهد عليه لقد كنت في غفلة من هذا أي كنت في الدنيا غفلة عن الآخرة وما فيها وغفلتك من شهواتك ولذَّاتك وغرورك بالحياة الدنيا من هذا العذاب النازل بك الآن فكشفنا عنك غطاءك أي أزلنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم عيانا بيانا من ألوان العذاب فبصرك اليوم حديد أي حاد تدرك به وتبصر ما كنت تكفر به في الدنيا وتُنكرهُ .
قوله تعالى : " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك " قال ابن زيد : المراد به النبي صلى الله عليه وسلم ، أي لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة في قريش في جاهليتهم . وقال ابن عباس والضحاك : إن المراد به المشركون أي كانوا في غفلة من عواقب أمورهم . وقال أكثر المفسرين : إن المراد به البر والفاجر . وهو اختيار الطبري . وقيل : أي لقد كنت أيها الإنسان في غفلة عن أن كل نفس معها سائق وشهيد ؛ لأن هذا لا يعرف إلا بالنصوص الإلهية . " فكشفنا عنك غطاءك " أي عماك ، وفيه أربعة أوجه : أحدها : إذ كان في بطن أمه فولد ، قاله السدي . الثاني : إذا كان في القبر فنشر . وهذا معنى قول ابن عباس . الثالث : وقت العرض في القيامة ، قاله مجاهد . الرابع : أنه نزول الوحي وتحمل الرسالة . وهذا معنى قول ابن زيد . " فبصرك اليوم حديد " قيل : يراد به . بصر القلب كما يقال هو بصير بالفقه ، فبصر القلب وبصيرته تبصرته شواهد الأفكار ونتائج الاعتبار ، كما تبصر العين ما قابلها من الأشخاص والأجسام . وقيل : المراد به بصر العين وهو الظاهر أي بصر عينك اليوم حديد ، أي قوي نافذ يرى ما كان محجوبا عنك . قال مجاهد : " فبصرك اليوم حديد " يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن سيئاتك وحسناتك . وقال الضحاك . وقيل : يعاين ما يصير إليه من ثواب وعقاب . وهو معنى قول ابن عباس . وقيل : يعني أن الكافر يحشر وبصره حديد ثم يزرق ويعمى . وقرئ " لقد كنت " " عنك " " فبصرك " بالكسر على خطاب النفس .
ويقال حينئذ للمفرط في الأعمال في أسلوب التأكيد جرياً على ما كان يستحقه إنكاره في الدنيا ، وتنبيهاً على أنه لعظمه مما يحق تأكيده : { لقد كنت } أي كوناً كأنه جبلة لك { في غفلة } أي عظيمة محيطة بك ناشئة لك { من هذا } أي من تصور هذا اليوم على ما هو عليه من انقطاع الأسباب ، والجزاء بالثواب أو{[61180]} العقاب لأنه على شدة جلائه خفي على من اتبع الشهوات { فكشفنا } بعظمتنا بالموت ثم بالعبث{[61181]} { عنك غطاءك } الذي كان يحجبك عن رؤيته من الغفلة بالآمال {[61182]}في الجاه{[61183]} والأموال وسائر الحظوظ والشهوات ، تحقيقاً لما له سبحانه من الإحاطة بالتقدير والتعجيز ، وعن الواسطي : من كشف عنه غطاء الغفلة أبصر الأشياء كلها في أسر القدرة وانكشف له حقائق الأشياء بأسرها ، وهذا عبارة عن العلم بأحوال القيامة .
ولما تسبب عن هذا الكشف الانكشاف التام ، عبر عنه بقوله : { فبصرك اليوم } أي بعد البعث { حديد * } أي في غاية الحدة والنفوذ ، فلذا تقر بما كنت تنكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.